تحدّثت معلومات جديدة نشرتها وسائل إعلام تركيّة، خلال اليومين الماضيين، عن خطوات جديّة على طريق الحوار السوري – التركي للتطبيع بين البلدين. وجاء تسريب تلك المعلومات عقب اجتماع عُقد برعاية روسيّة في «قاعدة حميميم» في الساحل السوري، وضمّ وفداً تقنياً تركياً وحضره وفد سوري، ما قد يمهّد الطريق للوساطة التي أعلن عنها رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، مطلع الشهر الحالي. وتعيد المعلومات التي نشرتها صحيفة «آيدنلك» التركية، بالتوازي مع عودة الحديث المتصاعد في وسائل الإعلام التركية حول وجود آفاق جديدة للعلاقات مع سوريا، في ظل إظهار الجانبين مرونة أكبر، وفق ما ذكرت بدورها صحيفة «يني شفق»، إلى الأذهان، حالة مشابهة ظهرت خلال اللقاءات التي جمعت مسؤولين سوريين وأتراكاً برعاية روسية وإيرانية قبيل الانتخابات الرئاسية التركية. وكانت هذه اللقاءات انتهت حينها بالفشل، بالرغم من إجراء لقاء على مستوى وزيري خارجية البلدين، وذلك إثر إصرار دمشق على جدولة خروج القوات التركية غير الشرعية من الأراضي السورية، والتفاف أنقرة على تلك النقطة عبر إصدار تصريحات إعلامية تتحدّث عن استعدادها لسحب قواتها مقابل شروط محددة متصلة بتأمين الحدود وعملية سياسية تفتح الباب أمام إعادة اللاجئين السوريين.وكانت الصحيفة التركية ذكرت أن اجتماع "حميميم" يُعتبر اللقاء الأمني الأول من نوعه بين البلدين، بعد تجميد الحوار السابق، وهو تركّز على آخر التطورات في إدلب ومحيطها، وجرى بعد لقاء وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في العاصمة الروسية موسكو، الثلاثاء الماضي، حيث نوقش مسار «أستانا»، وملف الأكراد والانتخابات المحلية التي كانت «الإدارة الذاتية» تنوي إجراءها، قبل أن تعود وتؤجّلها إلى آب، إثر ضغوط أميركية وصفها مصدر كردي تحدّث إلى «الأخبار» بأنها «كانت كبيرة وملحّة». وإلى جانب هذه الملفات، ناقش فيدان وبوتين مستجدات يمكن البناء عليها لإعادة مساعي التطبيع بين أنقرة ودمشق، والتي بدأتها موسكو عام 2021، في إطار مسار «أستانا»، علماً أن هذا الأخير يلقى دعماً عربياً وخليجياً في إطار «المبادرة العربية» التي ترعاها السعودية. وجاء لقاء بوتين - فيدان بعد آخر أجراه الثاني مع وزراء خارجية دول الخليج خلال الاجتماع السادس لوزراء خارجية دول «مجلس التعاون الخليجي» والحوار الاستراتيجي الرفيع المستوى مع تركيا، والذي استضافته العاصمة القطرية الدوحة، ما يجعل الصورة المكتملة تظهر مساعيَ عراقية وأخرى خليجية وكذلك دفع روسي وإيراني.
أولى الخطوات ستظهر مفاعيلها خلال اللقاء المنتظر بين إردوغان وبوتين مطلع تموز المقبل


وفي خضمّ ذلك، بدأت تظهر على الأرض تحركات جديدة من الجانب التركي، من بينها إغلاق شركات تحويل أموال كانت تنشط في مناطق سيطرة الفصائل في الشمال السوري، وعملت خلال السنوات الماضية برغم إدراجها على لوائح العقوبات الأميركية بسبب علاقتها مع تنظيمات «إرهابية»، بما فيها «داعش»، بالإضافة إلى تحضيرات مستمرة بين الطرفين الروسي والتركي لإعادة فتح معبر «أبو الزندين» الفاصل بين مناطق سيطرة الفصائل في ريف حلب ومناطق سيطرة الحكومة السورية. ويمثّل هذا التطور خرقاً للظروف الميدانية الحالية، ما قد يفتح الباب أمام بدء عودة النازحين إلى مناطقهم من جهة، ويكسر الخريطة المجمّدة التي فرضتها الحرب من جهة أخرى، فضلاً عن الدور الكبير الذي تلعبه هذه المعابر في عمليات إيصال المساعدات الإنسانية عبر الخطوط، علماً أن المعبر الذي يقع على الطريق الواصل بين مدينتي حلب والباب، تأسّس عام 2017، وجرى إغلاقه في ما بعد.
وفي مقابل الزخم الإعلامي التركي، تبدو الأمور من ناحية دمشق أكثر هدوءاً، في امتداد لسياسة اتُّبعت خلال جولات الحوار الماضية التي جرت برعاية روسية قبل أن تتوقف، إذ التزمت الحكومة السورية الصمت في انتظار الوصول إلى نقاط محددة، وهو ما لم يجر فعلياً حينها، ليخرج بعدها وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، والرئيس السوري، بشار الأسد، ويشرحا في لقاءات عديدة أسباب فشل هذا الحوار، معلنَين بشكل واضح، وعلى أكثر من منبر، أن أي حوار يجري مع تركيا يجب أن يتضمن جدولاً واضحاً لخروج القوات التركية، الأمر الذي لم يحدث وقتذاك أيضاً.
وعلى أي حال، لا يمكن النظر إلى المستجدات في هذا الملف على أنها اختراق كبير للواقع الحالي، وإنما هي بمثابة بوابة واسعة جرى فتحها للخطو على طريق لن يكون سهلاً في ظل التعقيدات الكبيرة التي تحيط بهذا الملف، سواء مشكلة الأكراد، أو الوجود الأميركي غير الشرعي الداعم لهم، أو حتى العلاقات المتينة التي تربط تركيا بالفصائل المنتشرة في الشمال السوري، بما فيها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – الفرع السابق لتنظيم القاعدة)، فضلاً عن مشكلة التحكّم التركي بمياه نهر الفرات، والذي تسبب بموجات جفاف كبيرة في سوريا والعراق. على أن أولى الخطوات ستظهر مفاعيلها خلال اللقاء المنتظر في بغداد لمسؤولي البلدين (سوريا وتركيا)، واللقاء الذي سيجمع الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان ونظيره الروسي بوتين مطلع شهر تموز المقبل.