سعت «إسرائيل» منذ اغتصاب فلسطين الى محاولة تغيير صورتها العدوانية المجرمة المستمرة ليومنا هذا، بغية تحقيق تغيير بنيوي في ثقافات وتوجهات وقناعات شعوب جزيرة العرب والأمة العربية. في سباق مع الزمن، نشطت العديد من منظمات ومعاهد الدراسات الصهيونية لتحريك مياه التطبيع الراكدة، فكانت الأنظار متجهة نحو المناهج التعليمية العربية، لما لمخرجاتها من أهمية مفصلية في تحسين صورة «إسرائيل» في اذهان الأجيال الصاعدة وذاكرتها. وتغيير المناهج العربية وفقا للهوى الإسرائيلي جار على قدم وساق، لا بل قطع اشواطا كبيرة، بحجة «التطوير» و«التحديث» و«الانفتاح»، تمهيدا للالتحاق بقطار التطبيع الذي لم تعد حلقاته مُقتصرةً على التماهي الاستلابي في المجالينِ التعليمي والثقافي. فكيف استطاعت «إسرائيل»، بموافقة الحكومات العربية غير الآبهة بالتداعيات الخطيرة، ادخال تعديلات على المناهج التعليمية سيمتد تأثيرها على الأجيال لعقود قادمة، ومسخ الهوية ونشر المحتوى التضليلي والمزور وتحويله الى حقيقة وتاريخ، بغية تغريب الشعوب فكرياً وثقافياً كمقدمة لسلخها عن عروبتها؟ وكيف اثرت التعديلات على التوجّه التعليمي والثقافي الجمعي العربي، لتشكيل شعوب عربية ذات هوية هجينة، معترفة بوجود «إسرائيل»، «الحمل الوديع»، التي تزعم تعرض «شعبها» للظلم، ولـ«حقه» في أرض فلسطين السليبة، وصولاً إلى ترسيخ مفهوم عدم كراهيتها باعتبار الكره معاداة للسامية وتبريرا لحرمان الفلسطينين من حقوقهم الوطنية التاريخية؟ 371 كتاباً مدرسياً سعودياً، انكبّ الباحثون الإسرائيليون العاملون في «معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي» على فحصها وتقديم تقرير شامل حول التطورات التي طرأت على محتوى المناهج الوطنية السعودية، ولتحديد توافقها مع معايير «التسامح والسلام»، لا سيما معايير القوانين الدولية القائمة على مبادئ العدالة، والتي تتحايل عليها إسرائيل وتنتهكها يومياً، في سياق ممارستها لجرائم الفصل العنصري ضد الفلسطينيين.
تظهر المراجعة المنبثقة عن معهد IMPACT-se للكتب المدرسية لعام 2023-2024، ان الجهود التحديثية التي قام بها النظام السعودي ضمن مسار هيكلة مناهج التعليم توازن بين تعميم ثقافة الانفتاح والتسامح ومتسقة مع الاعتراف بدولة «إسرائيل»، وغير مشجعة على أي نوع من التطرف والإرهاب والجهاد باعتبارها نتاجا لـ«النهضة الوطنية» التي يقودها وليّ العهد، محمد بن سلمان، والمعروفة بـ«رؤية 2030»، والتي تعد أحد اهم عوامل صناعة جيل عربي جديد ينكر القضية الفلسطينية ويعترف بـ«اسرائيل».

تعزيز الحوار مع «المستعمر» كمقدمة للتطبيع
اعتبر المعهد ان المناهج السعودية، بحسب الدراسة التي أصدرها حديثاً، تعزّز «نموذج المواطنة القائمة على التعليم العالي والانفتاح والإبداع وريادة الأعمال والانتماء الوطني»، وهي السبيل نحو هوية جديدة للشباب العربي المؤمن بالسلام والتسامح، والذي لا يمكن فصله عن الهدف الأعلى المرجو تحقيقه بـ«ترسيخ قيم التعايش الإنساني»، وفي نهاية المطاف التطبيع مع «إسرائيل». وتبيّن النتائج التقدم الكبير للمناهج نحو الاعتدال والانفتاح والتنمية السلمية وفق منهجية تدريجية، لا سيما كتب «التفكير النقدي» الجديدة التي تم تقديمها خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي هدفت الى تعزيز الحوار مع «الآخر» واحترامه وتقبّل ثقافته حتى ولو كان «العدو». في الإطار نفسه، تظهر الدراسة كيف ان المناهج ألغت كافة الأمثلة التحريضية المتعلقة بـ«الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني»، وإزالة «جميع الأمثلة البغيضة التي تم تحديدها مسبقاً في ما يتعلق باليهود»، وكل الإشكاليات التي تروج للجهاد والاستشهاد باعتبارها عملا «عنفياً هجومياً»، ليصبح التركيز في الكتب على التفسيرات اللاعنفية للجهاد، أي فقط «جهاد النفس». كما رصدت «امباكت» ما سمّته «تحسناً وتقدماً كبيراً» في ما يتعلق بصورة إسرائيل والصهيونية. اذ تمت إزالة الأمثلة التشهيرية، لا سيما تلك التي تصف الصهيونية بأنها «حركة أوروبية عنصرية» متهمة بإحراق المسجد الأقصى عام 1969، وكل ما يتعلق بنواياها التوسعية وطرد الفلسطينيين، والاستيلاء على المواقع الدينية باعتبارها الدافع وراء حرب الأيام الستة، «والاهم من كل ذلك ازالة اسم فلسطين عن الخرائط».

عينات من العناوين التي ازيلت من المناهج التعليمية

1- محو اسم «فلسطين» عن الخرائط
تؤكد الدراسة على التحسن الملحوظ للمناهج لا سيما فيما يتعلق بـ«إسرائيل» و«الصهيونية»، حيث أزيل كل اتهام «باطل» تجاهها، «فأصبحت لا تنكر الوجود اليهودي في المنطقة وتخفف من حدة المحتوى المناهض والمتطرف ضد إسرائيل» اذ لم يعد يشار إليها بـ«لاحتلال» و«الكيان» و«العدو الصهيوني» وما إلى ذلك، كما تمت إزالة كل الإشارات باعتبارها «عدواً» من كافة الكتب المدرسية لطبعة 2023 بحسب المعهد.
وفي هذا الاطار, رصدت الدراسة انه لم يتم التعرف على إسرائيل على الخرائط ، ولكن «التغير الإيجابي» لإصدارات 2023 لكافة كتب الدراسات الاجتماعية التي ميزت الخرائط باسم «فلسطين» في طبعاتها السابقة, يبرز في حذف اسمها من معظمها ، وتُركت المنطقة من دون أي اسم, ويبدو أن هذا يطبق بشكل منهجي على الخرائط التي تركز على المملكة العربية السعودية، مع تجنب تسمية البلدان التي لا حدود لها، مثل «إسرائيل» وفلسطين. والاعتراف النادر الجدير بالملاحظة بـ «القدس الشرقية المحتلة» باعتبارها «عاصمة الدولة الفلسطينية»، من قبل قمة القدس لعام 2018 التي استضافتها المملكة العربية السعودية، يترك ضمنيًا مجالًا للمطالبات الإسرائيلية بالقدس الغربية بحسب المعهد.
رصدت «امباكت» ما سمّته «تحسناً وتقدماً كبيراً» في ما يتعلق بصورة إسرائيل والصهيونية. اذ تمت إزالة الأمثلة التشهيرية، لا سيما تلك التي تصف الصهيونية بأنها «حركة عنصرية»

بشكل عام، تمت إزالة 21 مثالًا إشكاليًا، وكان الكثير منها موجودًا في الكتب المدرسية و«نظام المقررات الدراسية». فلقد عرّفت الصهيونية في الكتب المدرسية بشكل أكثر حيادًا على أنها حركة تهدف إلى توحيد يهود الشتات في فلسطين، بينما تجدر الإشارة إلى أن كتاب الدراسات الاجتماعية الموازي في نظام المسارات، والذي لا يزال يدرّس، حذف كامل الفصول التي تتناول «أي لمحة موجزة عن تاريخ فلسطين» و«إنشاء مستوطنات اليهود المحتلين فيها» وان «المسجد الأقصى هو في مدينة القدس بفلسطين» وكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

2- الجهاد والاستشهاد:
استبدلت المناهج الإشارة إلى الجهاد بعبارة «حماية الوطن»، مما أدى إلى محو الصلة بين مُثُل الجهاد والسياسات الدفاعية للمملكة العربية السعودية. كل ما يتعلق بآيات القتال الذي شرعه الله تعالى لحماية الحقوق والحريات المشروعة تم استبداله بنصوص تمنع الجهاد المسلح منعاً باتاً إذا لم يوافق الحاكم أَو الوالد على ذلك تحت مبرّر الحد مما أسموه «احتمالات تجنيد الإرهابيين». اما الأحاديث التي تصف مكافآت الشهداء في الجنة، كما كل الوصف «المنمق» لمكافأة الشهداء، تم شطبه كمحاولة للتقليل إلى حد ما من «سحرها وجاذبيتها». ويظهر التقرير انه في عام 2023، تمت إزالة كل النصوص القرآنية التي تعلم أن الجهاد يعني على وجه التحديد «قتال الأعداء من أجل حماية الدين والأرض والعباد», وكل تفسير للآيات لا سيما التي تمتدح أولئك الذين «جاهدوا أعداءهم ونصروا دينهم»، وبالتالي التأكيد على التفسيرات اللاعنفية للجهاد وأن «الإسلام يحمل رسالة السلام» فيمنع منعاً باتاً توجيه السلاح نحو الآخرين، لأن إيذاء «الأبرياء» حتى لو كانوا «أعداء» محظور تماماً.

مناهج الدراسات الاجتماعية
1- الغيت كل الدروس التي تعلم الطلاب أن اليهود «لم يكن لهم حكم مستقل في فلسطين إلا لمدة 90 عامًا في زمن داود وسليمان». وبحسب المعهد تم الغاؤها كونها تتجاهل الأنظمة اليهودية وفترات الوجود الجماعي الكبرى عبر التاريخ والتي تمت فيها ممارسة أنواع ودرجات مختلفة من الحكم الذاتي اليهودي/ الإسرائيلي أو الاستقلال الكامل.

استبدلت المناهج الإشارة إلى الجهاد بعبارة «حماية الوطن»، مما أدى إلى محو الصلة بين مُثُل الجهاد والسياسات الدفاعية للمملكة العربية السعودية


2- لم يعد نظام المقررات للصفوف 10 والـ 12 يقدم «إسرائيل» ككيان يقطع الاتصال بين الأراضي العربية, كما لم يعد «العدو الصهيوني محتلاً» وهو الذي يبني المستوطنات في النقب، الممر البري الوحيد بين مصر وشبه الجزيرة العربية.
3- شطبت كل المقاطع التي تشيد بأهمية أشجار الزيتون في الثقافة والاقتصاد الفلسطيني، وأن الفلسطينيين يعانون لأن «قوات الاحتلال» تقطع أشجار الزيتون و«تدمر المنطقة»، واي إشارة إلى أن هذه سياسة واسعة النطاق تنفذها إسرائيل.
4- أزيلت كامل الدروس عن «معارضة الاستيطان اليهودي في فلسطين المحتلّة»، و«احتلال اليهود للأرض المقدسة»، كما حذف فصل كامل بعنوان «الخطر الصهيوني».

مناهج التفكير النقدي
في كتب التفكير النقدي التي أدخلت على المناهج، خصصت عدة نصوص لتقديم جماعة الإخوان المسلمين و«ميلشيات الحوثي» على أنهم «إرهابيون ضالون في سلوكهم». على سبيل المثال، فهم متهمون بالإضرار بالوحدة الداخلية للمجتمع الإسلامي، ومحاولة الاستيلاء على حكم الدولة، وعدم الاهتمام بتعزيز القيم الإسلامية، وإغواء الأطفال للانضمام إلى منظمتهم، واستغلالهم لمثلهم الشائنة. تنص بعض النصوص أيضا على انها جماعة متطرفة تعمد الى نشر الأفكار السلبية الهدامة في أوساط الشباب ليسهل ترويضهم والتحكم برغباتهم ومشاعرهم واللعب بعواطفهم وتحويلهم من الاعتدال الى التطرف والعنف، وتُتَهم بالبعض الاخر بمخالفة الإسلام وإثارة الصراعات، بهدف وحيد هو الاستيلاء على السلطة لذلك تعتبر من الجماعات الإرهابية المتطرفة وانها «عاثت فسادًا في البلاد وبين الناس، كما هو معروف وواضح في جرائم العنف والإرهاب في جميع أنحاء العالم».

تؤكد الدراسة على التحسن الملحوظ للمناهج لا سيما فيما يتعلق بـ«إسرائيل» و«الصهيونية»، حيث أزيل كل اتهام «باطل» تجاهها، «فأصبحت لا تنكر الوجود اليهودي في المنطقة وتخفف من حدة المحتوى المناهض والمتطرف ضد إسرائيل»


الحرب على الإرهاب
يدرس كتاب الدراسات الاجتماعية في المدرسة الثانوية دور المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب. وفقاً للدراسة، يصف القسم الذي يحمل عنوان «الحرب ضد الإرهاب» الإسلام بأنه دين المحبة والتسامح ويندد بالإرهاب والتطرف. ويوضح هذا القسم انه في تاريخنا المعاصر، ظهرت مجموعات وفصائل ذات أيديولوجيات وممارسات متطرفة، قامت بأعمال أدت إلى الكوارث والمصائب فجلبوا الانتحار وقتل المسلمين والأبرياء، ويدين مثل هذه الأعمال وفقا لمبادئ الإسلام. ويركز القسم أيضًا على مظاهر التطرف الإسلامي, بالإضافة إلى دور المملكة العربية السعودية. في تأسيس التحالف العسكري الإسلامي (الذي يضم 41 دولة) لمحاربة الإرهاب في عام 2015. ويعرض أحد كتب التاريخ في المدارس الثانوية السياسة الخارجية السعودية، وخاصة سياسات الملك سلمان، باعتبارها سياسة تحافظ على الاستقرار في المنطقة، والتي تشمل احتواء الإرهاب والتطرف. ويُقدم هذا الموقف كمبرر للتدخل السعودي المثير للجدل في الحرب على اليمن.



IMPACT -e


نقلت الصحف الإسرائيلية لا سيما صحيفة «يديعوت احرنوت» عن رئيس منظمة «امباكت»، ماركوس شيف» سعادته «الكبيرة» تجاه مصممي المناهج السعودية واعتبر ان ما اجروه تعديلات عليها «تقدم إسرائيل في اطار اكثر إيجابية». وقال ان «الكتب المدرسية السعودية للعام الدراسي 2023-2024 هي خطوة أخرى نحو تحويل المناهج الى اطار تعليمي يشجع على السلام ومزيد من المساواة وإزالة معاداة السامية بالفعل وليس فقط بالقول من كل الكتب المدرسية. كما رصدت مواقع إسرائيلية وأميركية ما يمكن وصفه بأنه تاريخ من تطبيع المناهج» بين السعودية وإسرائيل، في صورة تغييرات تصب في خانة «تغيير الأجيال في المملكة العربية السعودية ونظرتهم تجاه الدولة العبرية والصهاينة». واكد موقع JEWISH NEWS اليهودي ان الحكومة السعودية «ازالت كل المواد التي تشوه إسرائيل» من الكتب المدرسية.


عينات من الإضافات على المناهج التعليمية لسنة 2023-2024
1- كل النصوص التي تتحدث بإيجابية عن اليهود، والعلاقة بينهم وبين الديانات الاسلامية والمسيحية معتبرة إياها مصدرا أساسيا لحقوق الانسان وللحريات العامة قد تمت اضافتها في المناهج. أدرجت الوصايا العشر التي نقلها نبي الله موسى لقومه، باعتبارها الأرضية الأساسية التي يبنى عليها والتي يجب التمسك بها في العلاقات بين الشعوب بغض النظر عن الهُوِيَّة والدين والعرق، فأعظم أشكال التعايش بين الديانات الثلاثة، هي زواج الرجال المسلمين أَو المسيحيين من النساء اليهوديات، وتعلم الطلاب ان تقبل الثقافات الأخرى واحترامها، يجلب الرفاهية لكل الناس بدل الحروب.
2- تم إدراج عدد من المفكرين الغربيين المعادين للإسلام في المناهج، تقبلا لرأي الاخر، مثل الأميركي المعروف صموئيل هنتنغتون صاحب نظرية «صراع الحضارات».
3- اضيفت نصوص بعنوان «الإسلام يحمل رسالة السلام»، ضُكّنت 8 أمثلة عن اتّفاقيات تاريخية عقدها النبي محمد (ص) مع مجتمعات غير المسلمين، مثال اتّفاق المدينة مع اليهود، المعاهدة مع يهود خيبر، سلام نجران مع المسيحيين، وعقدي مصالَحة مع قبائل عربية، وأدرجت تلك الاتّفاقيات في إطار «تعزيز الشراكة بين أتباعِ الديانات والثقافات في القضايا المشتركة، وترسيخ معاني التعايش الإنساني».