مع استمرار الانتقادات التركية للولايات المتحدة، وارتفاع حدة التصريحات الرافضة للانتخابات المحلية التي تنوي «الإدارة الذاتية» التي تقودها «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، وبعد أيام من محاولة واشنطن محاباة أنقرة عبر بيان أعلنت فيه صراحة أنها ترى «أن الظروف الملائمة لمثل هذه الانتخابات غير متوفرة في شمال وشرق سوريا في الوقت الحاضر»، بدأت أحزاب كردية توجيه دعوات إلى تأجيل هذه الانتخابات. ووصفت مصادر كردية، تحدّثت إلى «الأخبار»، تلك الدعوات، بـ«الخطوة الأولى» على طريق التراجع، على وقع الضغوط الأميركية التي تسارعت وتيرتها خلال اليومين الماضيين، خصوصاً بعد إعلان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بدء وساطة بين سوريا وتركيا. وإذ أكّدت المصادر الكردية أنّ ثمة قراراً سيتم الإعلان عنه خلال الساعات المقبلة، قد يحمل تأجيلاً صريحاً للانتخابات إلى أجل غير مسمى، كشفت أن «اتصالات على مستويات عليا أجراها مسؤولون أميركيون مع مسؤولي "قسد"، أكّدوا خلالها أنهم لن يدعموا هذه الانتخابات في الوقت الحالي». ويأتي ذلك بعدما كانت لقيت هذه الانتخابات، خلال الشهور الماضية، دعماً أميركياً مباشراً، عبر رعاية «العقد الاجتماعي» (الدستور) الذي أقرّته «قسد» نهاية العام الماضي والذي مهّد للعملية الانتخابية. ويمثّل التراجع، في حال تحقّقه، خطوة أميركية عاجلة لاحتواء أنقرة، وعرقلة أي خطوات مضادة قد تقدم عليها الأخيرة، بما فيها الانخراط في جهود الوساطة مع دمشق، والتي كان أعلن عنها السوداني خلال تصريحات إلى وسائل إعلام تركيّة. وأتت تلك التصريحات بعد ساعات من إعلان وزير الدفاع التركي، يشار غولر، أن بلاده مستعدّة لسحب القوات التركية من الأراضي السورية في حال تأمين الحدود، في ما يمثّل التفافاً على مطلب دمشق سحب أنقرة قواتها من الشمال السوري من غير شروط.
الغزل التركي لدمشق، ردّت عليه الأخيرة بتصريحات لوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، الذي أكّد، خلال مؤتمر صحافي مع القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، «(أننا) لا نتفاوض مع من يحتل أرضنا، ومع من وعد وأكّد عدة مرات أن يقوم بالانسحاب من الأراضي السورية المحتلة، والتركي وعد من قبل بهذا الأمر وتراجع عنه». وتابع: «نريد أن نرى شيئاً دقيقاً، وأن تلتزم الدولة التركية بالانسحاب من الأراضي العربية السورية، إذ لا يجوز أن يستمر هذا الاحتلال، وأن يستمر دعم القوى الإرهابية المسلحة في الشمال السوري من الجانب التركي، لأن ذلك يتناقض مع أي جهود يجب أن تُبذل من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين». كما أكّد أنه «لن تُطبع العلاقات بين البلدين إلا إذا قالت تركيا في وضح النهار إنها ستنسحب من الأراضي السورية»، في ما يُعدّ تجديداً للمبادئ السورية المعلنة خلال جولات المفاوضات السابقة مع تركيا، والتي جرت بوساطة روسيّة وإيرانية، ووصلت إلى طريق مسدودة جراء محاولة أنقرة الالتفاف على هذه النقطة، عبر إطلاق تصريحات إعلامية تربط الانسحاب المأمول بجملة من المتغيّرات، بما فيها تأمين الحدود والعملية السياسية في سوريا.
من جهة أخرى، حملت زيارة باقري كني لدمشق، والتي جاءت بعيد تسلّمه مهام وزارة الخارجية الإيرانية، والتقى خلالها الأسد، رسائل واضحة حول متانة العلاقة بين البلدين، والتي حاولت وسائل إعلام نشر شائعات حولها في الفترة الماضية، قبل أن تأتي زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، لطهران، لتقديم واجب العزاء بالرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، والمسؤولين الإيرانيين الذين فارقوا الحياة في حادثة سقوط المروحية، ومن بعدها زيارة كني، لتضعا حدّاً لتلك الشائعات.
وفي سياق متصل، أعلنت الرئاسة السورية أن الرئيس الأسد بحث مع السوداني، خلال اتصال هاتفي، العلاقات الثنائية، وعدداً من القضايا العربية والدولية، في حين ذكر بيان رئاسة الوزراء العراقية أن الطرفين ناقشا أهمية التنسيق الأمني بين البلدين في مواجهة الإرهاب، وأهمية رفع مستوى الشراكة بين البلدين في مختلف المجالات، ولا سيما الاقتصادية، بالإضافة إلى آخر تطورات الأوضاع في المنطقة، والحرب الدائرة في غزة، واستمرار العدوان الإسرائيلي الذي يتطلب موقفاً عربياً وإسلامياً ودولياً موحّداً، من أجل «إنهاء معاناة أبناء الشعب الفلسطيني»، وفقاً للبيان، الذي لم يتطرق أبداً إلى مسألة الوساطة العراقية للتطبيع بين دمشق وأنقرة.