طهران | شهدت العاصمة الإیرانیة، أمس، مراسم تشييع جثامين الرئيس إبراهیم رئیسي ومرافقيه، بمَن فیهم وزیر الخارجیة حسین أمیر عبد اللهیان، وسط حشود رسمية وشعبية توافدت إلى جامعة طهران ومحيطها. ومن هناك، صلّى المرشد الأعلى الإیراني، السيد علي خامنئي، صلاة الجنازة على جثمان رئيسي، الذي قضى ورفاقه، يوم الأحد الماضي، في حادث تحطُّم مروحية في شمال غربي البلاد. وفي بقية المدن الإیرانیة، رُفعت لافتات ضخمة تشيد بالرئيس الراحل، وتصفه وأعضاء الوفد الذين كانوا معه، بأنهم «شهداء الخدمة». كما أقیم حفل تأبين لرئيسي ورفاقه، بمشاركة وفود أجنبية، مساء أمس الأربعاء في طهران، حيث ذكرت وسائل إعلام محلّية أن أكثر من 50 وفداً أجنبياً رفيع المستوى من قادة الدول والشخصيات، شاركوا في المراسم. ومن أبرز هؤلاء، أمير قطر تمیم بن حمد آل ثاني، والرئیس التونسي قیس سعید، ورئيس جمهورية طاجيكستان إمام علي رحمان، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، ورئيس الوزراء السوري حسين عرنوس، ووزير الخارجية السعودي فیصل بن فرحان، ووزیر الخارجیة المصري سامح شکري، ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، ونائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، ومساعد رئيس وزراء «طالبان» الملا عبد الغني برادر. وعلى هامش مراسم التشييع، أجری المرشد الأعلی مجموعة من اللقاءات والاستقبالات.وبحسب التلفزيون الرسمي الإیراني، فإن مراسم جنازة وتوديع جثمان رئيسي ورفاقه، تشمل أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس، في مدن تبريز وقم وطهران وبيرجند ومشهد، حيث من المقرَّر أن یُدفن جثمان الرئيس الراحل في مسقط رأسه في شمال شرقي إیران، الیوم الخمیس، بجوار مرقد الإمام الرضا.
ويبدو أن الجمهورية الإسلامية ستدخل، بعد انتهاء مراسم التشييع، في أجواء الانتخابات الرئاسية المبكرة، بعدما تمّ تحدید يوم الـ28 من حزيران المقبل، موعداً لإجراء الاستحقاق، إثر اجتماع رؤساء السلطة القضائية والحكومة والبرلمان. وجاء تحديد موعد الانتخابات، عقب إعلان خامنئي، الإثنین الماضي، أن النائب الأول للرئيس الراحل، محمد مخبر، أصبح المسؤول عن السلطة التنفيذية، وأن أمامه فترة أقصاها 50 يوماً لعقد الانتخابات، وذلك وفقاً للمادة 131 من الدستور الإیراني. وبحسب الجدول المعلن، سيتمّ تسجيل المرشّحين في الفترة من 30 أيار الجاري ولغاية الثالث من حزيران المقبل. وبعدها بخمسة أيام، سيكون لدى «مجلس صيانة الدستور» الوقت لمراجعة مؤهّلات المرشّحين، على أن تجري الحملات الانتخابية بين الـ12 والـ27 من حزيران.
دخول إيران إلى مرحلة انتقال السلطة، سيلقي بظلاله على العلاقات الخارجية، بما في ذلك المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة


ويبدو أن التنافس الرئیسي في هذه الانتخابات، كما كان في انتخابات الدورة الـ12 لمجلس الشورى الإسلامي الإيراني (البرلمان) التي جرت قبل نحو ثلاثة أشهر، سيدور بين أطياف مختلفة في التيار الأصولي، إذ ليس مرجّحاً أن تترشّح شخصيات مشهورة من التيار الإصلاحي والمعتدل، بسبب مخاوف من استبعادها من قِبَل «مجلس صيانة الدستور». وإذ لم تتّضح بعد هوية المرشحين للانتخابات، فإن التكهنات تشير إلى احتمال ترشُّح محمد مخبر، ومحمد باقر قاليباف. ويُعدّ مخبر إحدى الشخصيات المقرّبة والموثوقة من المرشد الإيراني و»الحرس الثوري»، حيث عمل لسنوات طويلة في مؤسّسات تابعة لمكتب المرشد قبل انضمامه إلى حكومة رئيسي کنائب أول للرئیس. والآن أمام مخبر، کرئیس للجمهوریة بالوکالة، 50 يوماً ليُظهر نفسه على أنه الشخص الثاني في البلاد. أمّا محمد باقر قاليباف، فهو أشهر شخصية أصولية، ويرى نفسه أقرب إلى الرئاسة في غياب إبراهيم رئيسي، إذ سبق أن حاول عدّة مرّات الوصول إلى هذا المنصب، لكنه كان يفشل في كل مرة. وداخل البرلمان، يواجه قاليباف معارضين من التيار الأصولي، أغلبهم من أنصار رئيسي. وكما هو الحال في الانتخابات السابقة، من المتوقّع أيضاً أن يَظهر مرشّحون لا يتمتّعون بحظوظ كبيرة، مثل محسن رضائي، القائد السابق لـ»الحرس الثوري».
من ناحية أخرى، فإن أحد الأسئلة التي أثيرت في إيران، في الأيام الأخيرة، يتعلّق بتداعیات وفاة الرئيس الإيراني، ووزیر خارجیته، على السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية. وعلى رغم أن كثيرين يعتقدون بأن هذه السياسة لن تتغيّر، خاصة في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية وإسرائيل والمقاومة، إلا أن فترة انتقال السلطة قد ترخي بظلالها في هذا المجال، ولا سيما مصیر المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. وكان موقع «أكسيوس» الإخباري الأميركي، أفاد، الأسبوع الماضي، بأن مسؤولين أميركيين وإيرانيين أجروا محادثات غير مباشرة في سلطنة عُمان «في شأن كيفية تجنّب التصعيد الإقليمي». کما أكّدت بعثة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدائمة في الأمم المتحدة، السبت الماضي، قبل يوم واحد من حادثة مروحية الرئيس الإيراني، إجراء هذه المفاوضات، موضحةً أنها «لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة».
ولكن بعد يومين من إعلان وفاة الرئيس الإیراني، قال مصدر دبلوماسي مطّلع إنه «سيتمّ تعليق المفاوضات بسبب التطوّرات الجديدة في إيران»، مضيفاً، فی حدیث إلى «الأخبار»، أن «دخول إيران إلى مرحلة انتقال السلطة وإجراء انتخابات مبكرة، سيلقي بظلاله على العلاقات الخارجية، بما في ذلك المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة». وتابع: «في إيران وأميركا، الجميع ينتظر نتائج الانتخابات ليتم اتّخاذ القرار على أساسها».