جرت في الساعات التي تلت الزيارة الأخيرة للموفد الأميركي عاموس هوكشتين إلى لبنان محاولة للتخفيف من وقع ما نقله إلى القيادات السياسية والأمنية. المحاولة التي جرت على مستوى عال، لم تحجب الكلام المهم الذي قيل في اللقاءات، وفي ردّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي لم يكن متوقّعاً أن تكون لهجته أقل تصعيداً بعد التحذير الإسرائيلي عبر الموفد الأميركي.حتى الآن، يعيش لبنان الرسمي، ومعه الشعبي وبعض الإعلام - المرئي خصوصاً - على أكثر من مستوى، حالة إنكار ليس لما يجري جنوباً فحسب، إنما كذلك لما يُنقل من تحذيرات عالية المستوى إلى الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي والقيادات المعنية، عدا القنوات السياسية والدبلوماسية الأخرى التي تصل إليها التحذيرات من أكثر من عاصمة.
فإذا كان ثمة فارق بين التهويل والواقعية، تكمن مفارقة ما جرى في اليومين الماضيين، في أن التعامل مع تحذير هوكشتين جاء حرصاً شديداً على التخفيف من وطأته. كما جرت محاولة التغاضي صراحة عن مستوى التهديد الإسرائيلي الذي حاول الموفد الأميركي تغليفه بكلام فيه تحذيرات ورسائل واضحة، وفيه في الوقت نفسه محاولة تقديم عروض لما بعد وقف الحرب، منها اقتصادية ومنها عن طريق مساعدات وإعادة تشغيل المحرّكات السياسية.
وبعيداً عما يريده حزب الله من معركة الإسناد وردّه على الرسائل الإسرائيلية، هناك جانب رسمي يتعلق بإدارة الحكومة والجهات الرسمية سياسية وأمنية، في الاحتمالات التي وُضعت أمامها. فرغم اتهام معارضي حزب الله الحكومة بأنها أوكلت أمر الحرب والسلم إلى الحزب، إلا أنها لا تزال القناة الرسمية التي تتلقّى الرسائل وتقوم بالتفاوض، وهي المولجة مبدئياً بإعداد لبنان لكل الاحتمالات. من هنا، يبدو مستغرباً هذا الحرص الذي أبداه بعض المسؤولين الرسميين، على مستويات سياسية وغير سياسية، على التخفيف من أهمية الرسائل التي نُقلت. والحريصون على عدم توسيع دائرة التنبيه الأميركي يتذرّعون بأن التحذيرات السابقة، الفرنسية والأوروبية عموماً، لم تُترجم عملياً حرباً بالمعنى الواسع، خلال الأشهر الماضية، وبأن إسرائيل تهوّل عن قرب انتهاء عملية رفح والانتقال إلى جنوب لبنان، وهذا الأمر قد يستغرق أسابيع تسمح للتدخلات الخارجية من أجل لجمها. فهذا التهويل يبقى كلامياً لأن واشنطن لا تزال تعمل، ولحسابات تتعلق بمفاوضاتها مع إيران وتفادي الانشغال بساحة جديدة قبل الانتقال إلى الانتخابات الرئاسية، على منع تمدد الحرب الواسعة، بغضّ النظر عن موقع حزب الله وردّه. كما يجري التذرع بأن الدول الغربية لم ترفع مستوى التحذيرات التي سبق أن قامت بها في تشرين الأول الفائت، ما يعطي للبنان الرسمي حجة بألا يذهب إلى حالة استنفار على كل المستويات المطلوبة. ويراوح الهاجس اللبناني بين عدم إخافة اللبنانيين المقيمين والمنتشرين الراغبين في المجيء إلى لبنان، وعدم ضرب الموسم السياحي والمهرجانات الصيفية وحركة المطار والفنادق والمسابح والمغتربين، وما إلى ذلك من ترويج دعائي لـ«موسم الصيف الواعد» وضخ الدولارات في لبنان. هذه الخفّة التي تعامل بها البعض بمحاولة سحب أي كلام تحذيري رافق زيارة الموفد الأميركي والرسائل الإسرائيلية، قابلتها في الوقت نفسه نقاشات في اليوم التالي لزيارة هوكشتين وبعد ردّ حزب الله. وقد طُرحت فعلياً أسئلة حول ما يمكن للبنان أن يفعله وكيف يمكن اتخاذ الإجراءات من دون إثارة حالة هلع، بغضّ النظر عن الضغط الذي تمارسه واشنطن ودول أوروبية.
حرص مسؤولون على مستويات سياسية وغير سياسية على التخفيف من أهمية الرسائل التي نُقلت إلى لبنان


فهل يتعامل لبنان بجدية مع خطة عملانية لاحتمالات حرب إسرائيلية موسّعة، أو كما تتحدث بعض التقارير العسكرية عن احتمال حصول ضربات محددة ببنك أهداف واسعة؟ فمنذ أشهر، هناك حثّ من بعض الدوائر الرسمية لإعداد خطة طوارئ صحية وإغاثية وأمنية ترافق أي ضربة محتملة، حتى لو لم تنفذ إسرائيل تهديدها، لتفادي أي مفاجأة غير محسوبة. لكنّ هذا الأمر لم يحصل بعد تسعة أشهر على بدء المعارك الجنوبية، رغم كل التأكيدات في تشرين الأول الفائت عن استعداد لبنان لخطة عملانية تواكب احتمالات الحرب، وترافقت حينها مع حملة دبلوماسية غربية مكثّفة لمنع انفلاش الحرب نحو لبنان. والأسئلة أيضاً أخذت في الاعتبار نقاش وضع كل المرافق الحيوية، وخطة السلامة كحالة المطار والاستعداد لأي احتمالات غير محسوبة، والمرافئ، كما الوضع النقدي وما هو الدور المطلوب من مصرف لبنان في حال تفلّت سعر الدولار. كما طُرحت أسئلة، بعيداً عن موقع حزب الله في الجبهة الجنوبية العسكرية، عن دور الجيش في أي عملية محتملة، وهل هناك خطة عملانية عسكرية للجيش في مواجهة احتمالات الحرب، علماً أن الجيش اليوم ليس من ضمن معادلة ما يحصل جنوباً. لكن أي تطور فوق العادة، من الحتمي أن يضعه في موقع المواجهة أو يقع تحت ضغط المساعدات الغربية والأميركية.