يجري الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، زيارة دولة إلى بيونغ يانغ، هي الأولى من نوعها منذ عام 2000، قبل أن يتوجه إلى فييتنام الخميس. ومنذ لحظة الإعلان عنها، أصبحت زيارة بوتين ولقاؤه مع الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، محط أنظار عدد من المسؤولين والمراقبين في الغرب، ولا سيما أنّ عدداً من هؤلاء يرون في كيم «داعماً ثابتاً» لروسيا في حربها في أوكرانيا، ويتهمونه حتى بتزويد موسكو بالصواريخ «وملايين» الذخائر منذ بداية الحرب. على أنّ التقارب المستمر بين البلدين يتجاوز، على الأرجح، «حاجة» روسيا إلى المزيد من الذخائر، أو كوريا الشمالية إلى التكنولوجيا الروسية والمساعدة في برنامج الفضاء الخاص بها، بل هو مرتبط، طبقاً لتصريحات رسمية صادرة عن البلدين، بالتحولات الأخيرة العميقة على الساحة العالمية. على الضفة المقابلة، أعلنت الحكومة اليابانية أنّها تجمع «جميع المعطيات حول الزيارة»، مشيرةً إلى أنّ «الحالة الأمنية الإقليمية حول اليابان تزداد سوءاً بشكل عام، بما في ذلك عبر زيادة التعاون العسكري بين الاتحاد الروسي وجمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية»، ومؤكدة أنّ اليابان ستواصل تعميق «التعاون مع المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، بما في ذلك عبر الالتزام الكامل بعقوبات مجلس الأمن ذات الصلة». ومن جهته، قال المتحدث باسم الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، للصحافيين، الإثنين، إن إدارة بايدن ليست «قلقة من الرحلة بحد ذاتها»، مضيفاً: «ما يقلقنا هو تعميق العلاقة بين هذين البلدين».
وبالفعل، طبقاً لعدد من المعطيات التي سبقت الزيارة، يبدو أنّ كيم وبوتين يتجهان نحو تعميق العلاقة الاقتصادية والعسكرية والسياسية والتجارية والأمنية وفي مجالات أخرى بين بلديهما. وأكد مساعد الرئيس الروسي للسياسة الخارجية، يوري أوشاكوف، في تصريحات صحافية سبقت الزيارة، أنّ برنامج بوتين في بيونغ يانغ سيكون «حافلاً بالأحداث»، ولا سيما اليوم، إذ تبدأ المفاوضات الثنائية مع كيم. وطبقاً للمسؤول نفسه، سيتم التوقيع على عدد من «الوثائق المهمة»، بما قد يشمل أيضاً «معاهدة شراكة إستراتيجية شاملة»، تنبع الحاجة إلى إبرامها من «التطورات العميقة التي يشهدها العالم»، على حدّ تعبيره. وأوضح أنّ الاتفاقية الجديدة ستحل محل الوثائق الموقعة بين موسكو وبيونغ يانغ في أعوام 1961 و2000 و2001. حتى إنّ وكالة «بلومبرغ» الأميركية نقلت عن إذاعة «واي تي أن» الكورية الشمالية أنّ الطرفين قد يوقعان اتفاقية حول التدخل العسكري في حالات الطوارئ، تقضي بإرسال الطرف الأول لقواته العسكرية وتقديم المساعدة من دون تردد، في حال تعرض الطرف الثاني لأي هجوم مسلح. على أنه، ورغم أنّ مثل هذه الاتفاقية كانت قائمة بين الاتحاد السوفياتي سابقاً وبيونغ يانغ في عام 1961، إلا أنّ الخبراء في كوريا الجنوبية يستبعدون، في المقابل، أن يتم توقيع واحدة مماثلة خلال هذه الزيارة. وعلى أي حال، ومن منظور غربي، تندرج زيارة بوتين في إطار تعزيز التحالفات «المناهضة» للمعسكر الغربي، وسط تضييق الأخير المستمر على كل من موسكو وبيونغ يانغ، والذي زاد كثيراً في أعقاب الحرب الأوكرانية، ما جعل الحليفين أقرب بعضهما إلى بعض من أي وقت مضى.
أعلن بوتين نيته تطوير أنظمة تجارة ودفع بين البلدين تكون خارج سيطرة الغرب


وقبيل الزيارة، عزز مقال نشره بوتين في وسيلة إعلام كورية شمالية مملوكة من الدولة، الشكوك المشار إليها، إذ أثنى على دعم بيونغ يانغ لمجهود موسكو الحربي في أوكرانيا، مؤكداً أنّ البلدين يعملان على توسيع تبادلهما القائم على المساواة. كما أشاد بوتين بكوريا الشمالية «لدفاعها عن مصالح البلدين بشكل فعال رغم الضغوط الاقتصادية والاستفزازات والابتزاز والتهديدات العسكرية الأميركية المستمرة منذ عقود». كما تعهد الرئيس الروسي بزيادة التعاون مع بيونغ يانغ لـ«التغلب على العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة»، ولا سيما عبر العمل على «تطوير أنظمة تجارة ودفع غير محددة، تكون خارج سيطرة الغرب»، معرباً عن المعارضة المشتركة للعقوبات التي تفرضها الدول الغربية على سائر الدول، باعتبارها «إجراءات تقييدية أحادية الجانب وغير قانونية»، وتعكس طموحات الغرب في «منع إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب يقوم على الاحترام المتبادل والعدالة».
وعلى ضوء ما تقدم، دأبت بعض وسائل الإعلام على «تحليل» التبعات المحتملة لزيادة التعاون بين الطرفين على الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، أوردت وكالة «بلومبرغ» تقريراً جاء فيه أنّ المزيد من عمليات نقل الأسلحة الكورية الشمالية إلى روسيا سيزيد من حاجة أوكرانيا إلى المساعدة العسكرية الأميركية والأوروبية، كما أنّ المساعدات التي قد يتلقاها كيم من روسيا، ستسهّل عليه الاستمرار في تجاهل الطلبات الأميركية للجلوس لإجراء محادثات نزع السلاح النووي. حتى إنّ بعض الأصوات عكست حالة من «الهلع» في أوساط المحللين الغربيين، بعدما حذرت من أنّ أي تقنية أسلحة جديدة تتلقاها كوريا الشمالية ستزيد «من قدرتها على توجيه ضربات مميتة إلى اليابان وكوريا الجنوبية، اللتين تستضيفان الجزء الأكبر من القوات الأميركية في المنطقة، وربما تنجح في إيصال رأس نووي إلى الأراضي الأميركية».