عامٌ ونصف عام مرّا على «التعبير الاعتراضي الشهير» لمنتخب ألمانيا الكروي في مباراته الافتتاحية ضمن نهائيات كأس العالم في قطر. عامٌ ونصف عام انقضيا على حركة «الأفواه المغلقة» لأحد عشر لاعباً ألمانياً في استاد خليفة الدولي، استنكاراً، بحسب ما أفاد المعنيون حينها، على انتهاك البلد المستضيف لحقوق الإنسان، والتي ربطها الألمان ارتباطاً وثيقاً بالمثلية، كما الكلام حول انتهاك حقوق العمال الذين شيّدوا البنى التحتية لمونديال قطر، علماً أن الدوحة ندّدت مراراً بـ«الأعداد الضخمة المضلّلة» التي تداولها الإعلام الغربي في هذا السياق.ورغم موجة التفاعل الكبيرة التي ولّدتها «الأفواه المسدودة» ضمن العالم «الافتراضي» حينها، قوبلت تلك الإشارات السياسية باستقبالٍ محلي فاتر، خاصةً مع خروج منتخب «مانشفت» من دور المجموعات، مستكملاً بذلك مسلسل السقوط الحر الحاصل منذ تتويج «الماكينات» بمونديال 2014 (خرجت ألمانيا من دور مجموعات «مونديال» 2018 أيضاً بالإضافة إلى خروج مخيّب من الدور الـ16 في بطولة «يورو» الأخيرة).
دعا الألمان حينها «للعدالة»، لكن القناع سقط عندما مُسّت مصالحهم. «مناصرو» الحق وحرية التعبير أظهروا معاييرَ مزدوجة عندما عاقبوا اللاعبين الذين أبدوا تعاطفهم مع القضية الفلسطينية على خلفية العملية البطولية في طوفان الأقصى، مهدّدين بفسخ العقود مع الفرق الألمانية أو حتى إلغاء الجنسية بالنسبة إلى «المهاجرين».
دعا الألمان «للعدالة» لكن القناع سقط عندما مُسّت مصالحهم


وعلى خطٍّ موازٍ، نال أولئك الذين مثّلوا «المانشافت» بدماء ألمانية «غير» خالصة نصيبهم من التمييز المَقيت أيضاً، إذ كشف استطلاع أجرته هيئة الإذاعة الحكومية في ألمانيا قبل يورو 2024 أن 20% من المشاركين يفضلون وجود المزيد من «اللاعبين البيض» في المنتخب الألماني بمعدّل واحد من كل 5 مشاركين، بينما يجد 17% أنه من «المحزن» أن يكون قائد المنتخب، إلكاي غوندوغان، من أصل تركي.
إضافةً إلى ذلك، أضاء فيلم وثائقي عن البطولة الأوروبية المرتقبة على مواجهة اللاعبين المولودين خارج ألمانيا للإقصاء والمعاملة العنصرية رغم مساهمتهم في نجاح المنتخب. وتضمّنَ الوثائقي تعليقات من بعض لاعبي المنتخب الوطني مثل جوناثان تاه وجيرالد أسامواه، بالإضافة إلى أكاديميين وصحافيين وسياسيين، مع إظهاره عدداً من كبار السن الألمان وهم يصفون «الألمان الحقيقيين» بأنهم ذوو بشرة فاتحة، ويقولون إن المواطِنة المهاجرة لا تجعل من المرء ألمانياً حقيقياً...


إسقاط العنصرية والتمييز على كل الألمان قد يكون مجحفاً، خاصةً أن الاستطلاع الحاصل أثارَ انتقاد مدرب المنتخب الألماني جوليان ناغيلسمان وأعضاء الفريق الرئيسيين، كما أن حوالي 65% من المشاركين اختلفوا مع «التعليقات البيضاء»، لكن نسبة عنصريي ألمانيا المتزايدة أخيراً، بالإضافة إلى حالات التمييز السابقة التي شهدتها ملاعب «بوندسليغا» مثل الحادثة الشهيرة لمسعود أوزيل (ألماني من أصل تركي) عندما صرّح «عندما نربح أكون ألمانياً وعندما نخسر أكون مهاجراً»، جعلت القيّمين على الكرة الألمانية عرضةً للتأثر بالنيران التي أشعلوها.
وتأتي البطولة في وقتٍ تعاني فيه ألمانيا من ركودٍ اقتصادي لأكثر من ثلاثة أشهر، مع ارتفاع التضخم وتكرار الإضرابات، بما في ذلك إضرابات سائقي القطارات وشركات الشحن والعمال الزراعيين... كما أثارت سياسات ألمانيا المعتمدة تجاه الأحداث الروسية-الأوكرانية إضافةً إلى العدوان الصهيوني على غزة وموافقة ألمانيا عليه، اعتراضات كبيرة من ألمان وغير ألمان يدينون هذه المجزرة ويعتبرون أن ألمانيا ودولاً غربية شريكة فيها.
الأضواء مسلّطة على ميونيخ، التي تقص شريط «اليورو» بعد غدٍ الجمعة في لقاءٍ يجمع ألمانيا وأسكتلندا، (22:00 بتوقيت بيروت). وبعيداً عن الشق الفني، من غير المرجّح أن تخلو البطولة المرتقبة من رسالات سياسية صادرة عن ألمانيا وأتباعها، مباشرةً كانت أو مبطّنة، في محاولةٍ لاستغلال الحدث بهدف تحقيق أهداف الأجندة الغربية.