طهاة مبتدئون ودراما نيئة!

  • 0
  • ض
  • ض

لا زيت بلدياً على مائدة دراما رمضان هذا الموسم! زيوت مهدرجة بخلائط عجائبية لا تصلح للفتوش ولا للسَلَطة. طهاة هواة يصنعون وجبات بائتة من بقايا مخلّفات الآخر، يرشّون ملحاً فاسداً لتحسين النكهة، من دون جدوى. كأن نظام التفاهة، وفقاً لعنوان كتاب آلان دونو، قد ألقى بظلاله على كل السلع. لا صناعة ثقيلة في مطحنة الدراما إلا ما ندر. بالكاد نتابع دقائق من هذا المسلسل أو ذاك بصرف النظر عن جنسيته، فالجغرافيا السائلة أطاحت خصوصية الهوية أو البيئة أو النبرة المحلية، وإذا بالممثل أقرب إلى الروبوت وهو ينطق حواره المفترض سواء أكان عاشقاً أم لصّاً أم بطلاً شعبياً، فيما استوردت الشاشة دزينة كاملة من الدمى المغطّسة بالبوتوكس تصلح لكل الأدوار واللهجات وقصص الحب والخيانة والمكائد. كأن كل ما شهدته المنطقة من نكبات وزلازل وحروب وهزائم ، ظل خارج عناية مؤلفي (مولفي) هذه المسلسلات، متكئين على قطع غيار من الدراما التركية والهندية المدبلجة لإعادة تدوير هذا البلاستيك الذي يسيل من الشاشات، من دون توقّف. لا نحتاج إلى حلقات إضافية، كما يطالب بعضهم، كي نحكم على نوع البضاعة. هناك حالة احتضار معلنة لا تخص هذه الدراما أو تلك. ضحالة جماعية، تشير بلا مواربة إلى غياب شبه تام للبنية التحتية لهذه الصناعة. سرديات شفوية لا ترقى إلى الجملة المفيدة بقدر ما تعمل على توطين الميوعة والشوارعية المنفلتة والخواء. كأن الدراما السورية، على نحوٍ خاص دخلت في الغيبوبة، من دون أن يسعفها أحد. لن نجد شوارع ما بعد الحرب، لا أسئلة، لا صدمات، لا عتمة. نكات سمجة تحت بند الكوميديا، وحريم ما بعد الحقبة العثمانية، وقصص بوليسية للمبتدئين. دراما نيئة مسحوبة الدسم، وصفة كاملة للضجر، وصفقات مالية لصنّاعها لا أكثر. هكذا ينبغي لنا أن نعيش جائحة كورونا مرتين بفارق أن فيروس الدراما يمكن رؤيته بالعين المجرّدة، ويحتاج إلى تعقيم البصر والبصيرة في آنٍ واحد. المفارقة أن جرعة الإعلانات تتفوّق على أحداث المسلسل، وإذا بالدراما تحلّ ضيفاً على الإعلان لا العكس، إلى درجة نسيان وقائع المسلسل أمام وفرة الإعلانات، وصعوبة الفرز بين دور الممثل في المسلسل، وحضوره الإعلاني، ففيما نراه في مجلس عزاء مثلاً، يباغتنا بعد لحظات بأهمية صنف من المعكرونة أو البطاطا المجفّفة أو الهواتف المحمولة أو الشوكولا، فيلتبس الأمر علينا تماماً، هل مشهد توصيل البيتزا إلى المنزل على علاقة مع جريمة القتل الغامضة التي تابعناها قبل جرعة الإعلانات المتواصلة أم لا؟

0 تعليق

التعليقات