«منذ السابع من أكتوبر، لم يمرّ يوم واحد عشنا فيه بسلام»، بهذه الكلمات عبّر لؤي أبو محسن عن معاناته وعائلته من الاعتداءات التي يتعرّضون لها من قبل المستوطنين، وتحديداً من الجماعات المعروفة باسم «فتيان التلال». يعيشُ أبو محسن (41 عاماً) مع أسرته في تجمّع الفارسية شرق محافظة طوباس والأغوار الشمالية، شمال شرق الضفة الغربية. يمثّل هذا التجمع متنفّساً لسكان هذه المنطقة، خلافاً للتجمعات الأخرى التي قام الاحتلال بتهجير سكانها، مثل تجمع سمرا، والسويداء، وقطوة وغيرها. وهو لم يسلم من التضييق الاستيطاني المتصاعد، إذ يواجه السكان قيوداً شديدة على حركتهم، ويتعرضون باستمرار لاعتداءات المستوطنين تحت حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، وقد تصاعدت وتيرتها بعد السابع من تشرين الأول 2023. يمارس أبو محسن مهنة الزراعة وتربية المواشي، مثل معظم سكان المنطقة. يملك هو وعائلته عشرات الدونمات المزروعة بالقمح والشعير وغيرها من المحاصيل التي تشكّل أيضاً غذاءً لماشيته. قبل «7 أكتوبر»، كان يملك قرابة خمسمئة رأس غنم، لكن مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما رافقه من توسع استيطاني في الأغوار الشمالية، اضطرّ أبو محسن إلى بيع نصف قطيعه، ليتمكّنَ من رعاية الباقي، في ظل تزايد سلسلة الإجراءات المشددة، التي فرضها ما يسمّى «مجلس المستوطنات» على الفلسطينيين خاصة في المناطق المصنّفة (ج).
تتنوع أساليب التضييق على السكان الفلسطينيين، فمن ملاحقة الثروة الحيوانية، التي تعدّ مصدر دخل رئيسي لآلاف العائلات من التجمعات البدوية والرعوية، واحتجازها مقابل دفع غرامات مالية باهظة، إلى مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي، حتى تلك المسجلة رسمياً (طابو) وتسييجها بذريعة تحويلها إلى مناطق عسكرية مغلقة. كما يُمنع المواطنون من الوصول إلى المراعي، ما يزيد من الأعباء الاقتصادية على كاهل الأسر الفلسطينية.
يروي لؤي تفاصيل الهجمات اليومية التي يتعرض لها وعائلته من قبل المستوطنين، معظمهم من الشباب، تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً. أحد الحوادث الأخيرة، قبيل عيد الأضحى، هاجم نحو 15 مستوطناً لؤي وأخاه وابن عمّه في منتصف الليل، أثناء وجودهم في منطقة الجوبية، التي توجد فيها حظيرة الأغنام.
يقول أبو محسن: «حاول أخي وابن عمي الفرار مع أطفالهما، بينما انهال عليّ المستوطنون بالضرب حتى فقدت الوعي». شهدَ المتطوعون الذين يُعرّفون أنفسهم باسم «مقاتلون من أجل السلام»، والذين كانوا برفقة لؤي، الحادثة التي تعرّض لها، وقد اضطرّوا إلى استدعاء سيارة الإسعاف لنقل لؤي إلى المستشفى.
لم تتوقف المضايقات عند تلك الحادثة. ففي اليوم التالي للعيد، حضرت ما تسمّى «الإدارة المدنية» الإسرائيلية، برفقة قوات الاحتلال إلى المنطقة ذاتها. وعلى الرغم من أن الأرض مسجلة رسمياً، وتتبع محافظة طوباس والأغوار الشمالية، طالبت الإدارة لؤي بإصدار تصريح للإقامة فيها، مهددةً إياه بهدم منشآتهم – رغم أنها مجرد سياجٍ بسيط – في حال عدم الامتثال خلال أسبوع. عندما أَبلغ لؤي الشرطة الإسرائيلية عن الهجوم الذي تعرّض له من قبل المستوطنين قبل أيام، كان رد الشرطة الإسرائيلية أنه سيظل يتعرض للمضايقات والاعتداءات، حتى يحصل على تصريح يسمح له بالإقامة في هذه المنطقة.
تتعدد حوادث الاعتداء على عائلة أبو محسن. ففي واقعة سابقة، هاجم مستوطن بسيارته لؤي وشقيقه أثناء رعيهما، ما أدى إلى نفق رأسَي غنم، وعندما حاولا اعتراض المستوطن لمنعه من دهس باقي الأغنام، خرج المستوطن من سيارته، وطعن شقيق لؤي في ساقه قبل أن يلوذ بالفرار.
يصفُ أبو محسن خطورة الوضع قائلاً: «نخاف على أطفالنا من اللعب خارج المنزل». فقد نصب المستوطنون كاميرات مراقبة حول منزله، ما يجعل كل تحركاتهم مكشوفة للمستوطنين في كل واردة يقومون بها. وتجدر الإشارة إلى أنه يحيط بمنطقة سكنهم عدة مستعمرات وبؤر استيطانية: سلعيت من الشمال، وروتم من الجنوب، وشدموت مخولا من الشرق. ورغم المساحات الواسعة المحيطة بمنازلهم، لا يتمتعون بحرية الحركة. وفي هذا السياق، يضيف أبو محسن: «حتى عندما يحتاج الأطفال إلى استخدام المرحاض خلف المنزل، نضطرّ إلى مرافقتهم خوفاً من المستوطن الذي يوجد دائماً بالجوار، إذ نصب في أحد الأيام أعلاماً على واجهة المرحاض».
وفي واقعة أخرى، تعرّضت زوجة لؤي للترهيب المباشر، فبينما كانت تغسل الملابس أمام المنزل، فوجئت بمستوطنٍ يجلسُ على الغسالة، ما اضطرّها إلى استدعاء زوجها، الذي صادف أنه ذهبَ برفقة شقيقه وابن عمه، لرعي الأغنام على بعد كيلومترين اثنين من منزلهم، لمواجهة المستوطن الذي اقتحم المنزل.
يواصل لؤي توثيق الانتهاكات والاعتداءات التي تتعرض لها عائلته من قبل المستوطنين، مع تقديم شكاوى متكررة لدى مركز الشرطة الإسرائيلية شرق مدينة رام الله. ويأتي ذلك نظراً إلى وقوع منزله ضمن المناطق الخاضعة للسيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية (منطقة منصفة C) – وفق تقسيمات أوسلو – وأفاد لؤي بأنّ الشرطة الإسرائيلية لم تتخذ أي إجراءات لردع المستوطنين، بل على العكس، يتمتعون بحصانة قانونية تحول دون محاكمتهم، وتوفر لهم غطاءً يشجعهم على مواصلة هذه الممارسات، ضمن سياسة ممنهجة لتهجير السكان الفلسطينيين والتضييق عليهم.
في واقع الحال، يخوض الفلسطينيون في طوباس والأغوار حرباً صامتة، تكاد تغيب عن اهتمام المؤسسات الرسمية ووسائل الإعلام، باستثناء بعض المبادرات الفردية التي يقوم بها نشطاء وسكان محليون لمواجهة سياسات التهجير المستمرة، بينما يسعى الاحتلال جاهداً لجذب المزيد من المستوطنين إلى المنطقة، والاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي، وخاصة في المناطق المصنفة (C) والتي تشكّل أكثر من 85% من مساحة الأغوار، مانحاً إياهم امتيازات واسعة، تتمثل بإنفاق مبالغ طائلة على تسييج الطرق وتأهيلها لخدمة المشاريع الاستيطانية، واستبدال الرعي الفلسطيني برعي المستوطنين المسلحين، وإنشاء بؤر ومستوطنات إسرائيلية جديدة، علاوة على ذلك، عزل التجمعات الفلسطينية بعضها عن بعض، ومنع وصول المياه إليها، وملاحقتهم واحتجاز ثروتهم الحيوانية، في محاولة للتضييق عليهم، ودفعهم للرحيل.
إن قصة لؤي وعائلته ليست سوى نموذج لمعاناة آلاف الفلسطينيين في محافظة طوباس والأغوار الشمالية. وفي ظل هذه الأوضاع، يبقى السؤال: ما هو مصير المواطنين، وخاصة في ظلّ خطة وزير المال الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، لتعزيز السيطرة على الضفة الغربية، والحيلولة دون إمكانية أن تكون جزءاً من الدولة الفلسطينية؟