هذه أيّام غير عاديّة. هناك اختبار لحالةٍ لبنانيّة جديدة: لبنان القوي. لبنان القوي يتعارض مع العقيدة المُؤسِّسة للجمهوريّة اللبنانيّة. إن الحركة الصهيونيّة توافقت مبكراً على تأسيس لبنان كدولة ضعيفة كي لا تنجرّ مع الإجماع العربي (يومها) على ضرورة صدّ عدوان إسرائيل وردِّ احتلالها. فؤاد شهاب هو تجسيد للعقيدة الدفاعيّة للبنان المُستقل: أن يكون لبنان سنداً لإسرائيل لكن خفيةً عبر: 1) عرقلة كل الخطط التي يتفق لبنان عليها مع الدول العربيّة عبر معاهدة الدفاع العربي المشترك.
2) التعاون سرّاً مع إسرائيل لمواجهة أي خطر فلسطيني يهدّد أمن إسرائيل.
3) محاربة كل الأحزاب التي تحمل عقائد مناهضة للصهيونيّة. مؤامرة اغتيال أنطون سعادة كانت من أوائل الإشارات. قوّة لبنان في ضعفه تعني أنّ حكّام لبنان (من الموارنة ومَن جاراهم من طوائف أخرى) اتفقوا مع إسرائيل على الإبقاء على لبنان ضعيفاً كي تطمئن إسرائيل، وكي لا يجرؤ أي طرف لبناني على المطالبة بانخراط الجيش في الدفاع عن لبنان. إنّ جلسات المجلس النيابي قبل الحرب (وقد تابعتُ عدداً منها في صباي) كانت عبارة عن مسرحيّات غير مضحكة، تقوم فيها قيادة الجيش والحكومة بتصنّع الجديّة في الدفاع عن لبنان، فيما كانت قيادة الجيش تنسّق مع إسرائيل في ضرب الفدائيّين وتمدّ العدوّ بما يحتاجه من معلومات. هذه المسرحيّة (بسيناريو مختلف) تدور اليوم وأبطالها هم التغييريّون والانعزاليّون والثوّار (السعودية والإمارات). الضوضاء في لبنان اليوم هي حول مسألةٍ تقضّ مضاجع الصهيونية في العالم: لبنان لم يعد ضعيفاً. هو قوي ويُخيف. هذا يتناقض مع الدور الذي كان مرسوماً للبنان منذ الاستقلال. يريد الغرب وإسرائيل وأعوانهم الأذلّاء هنا العودة إلى الوراء. هؤلاء يطالبون بصراحة وصفاقة بنزع قوّة لبنان وإضعاف قوته العسكريّة كي لا يكون هناك أي قدرة للجيش على الدفاع عن لبنان. فريق نزع سلاح المقاومة لا يريد أن يقوّي الجيش. وهؤلاء لا ينسجمون حتى مع طروحاتهم عبر مطالبة أميركا (راعية الجيش) بتقوية الجيش ومدّه بالسلاح الرائد. لا، هذا يزعج إسرائيل التي هم في صفّها. الباقي تعمية.