الأفراح في زغرتا وإهدن هذا الصيف تمتد من السماء إلى الأرض. أساساً، الفاصل بين البُعدين الأرضي والسماوي في منطقة تتكئ على كتف وادي القديسين لم يكن يوماً واضحاً، والاتصال دائم بينهما. علاقة ستتوطّد أكثر مع تطويب البطريرك إسطفان الدويهي في شهر آب المقبل. لن يكون صوت أجراس الكنائس وحده ما سيُسمع في زغرتا، فالقضاء بكل قُراه وبلداته يتحضر لاستقبال أهله وضيوفه بمهرجانات ونشاطات متعددة، تعزّز من ريادة هذه المنطقة على الخريطة السياحية اللبنانيّة. يعني اسم زغرتا المكان المحصّن. حصن لم يعزل المنطقة عن جوارها، بل كان سدّاً لتمتين ثقافتها وتاريخها وتقاليدها، وتجذّر أهلها بأرضهم من دون تقوقع. حافظت على هوية تميّزها ولهجة محبّبة تطبع سكانها بفرادة خاصة، وفي الوقت عينه مدّت يدها وحضنها لجوارها القريب والبعيد، وهي التي تقع في مركز وسطي يشكل رابطاً بين طرابلس وعكار وبشري والكورة والضنية وبعلبك والبترون.
المعالم والمواقع التاريخية والدينية والتراثية والطبيعية والثقافية أكثر من أن تُعد أو تُحصى في قضاء زغرتا. كأنها متحف طبيعي، ومختبر للتعايش، سواء في القضاء ذاته أو في محيطه. في عروسة القضاء إهدن، بنيت أقدم كنيسة مارونية في لبنان، «كنيسة مار ماما» التي شيّدت عام 749، وفي وادي قزحيا الذي تطل عليه إهدن، و«دير مار أنطونيوس قزحيا» الذي يحتضن أول مطبعة في الشرق. وفي زغرتا «كنيسة السيدة» الأثرية، أول كنيسة كرّسها البطريرك إسطفان الدويهي. وعلى قمة جبل السيدة، يحرس مزار سيدة الحصن إهدن وبلدات زغرتا ويطل على الشمال وصولاً إلى الأراضي السوريّة. وتفيّي طبيعة زغرتا الساحرة مجالس أهلها وسكانها وزوّارها، ليتآلف صخب سوقها التجاري وأسواقها التجارية وروّاد ميدانها الحافل بالحياة، مع خرير المياه والينابيع التي تزخر بها، وأقداح الأفراح التي تتشابك في المطاعم المطلة على بحيرة بنشعي. وفيها من الآثار الكثير، وخصوصاً ناووس راسكيفا وقاعة بربر آغا في إيعال والتلة الأثرية في أرده وغيرها...
يضم القضاء 61 بلدة وقرية، لكل منها مزاياها الخاصة وسحرها وجماليتها، وتسعى جميعها إلى إبراز نفسها والتميّز والاستفادة من المقوّمات التي تختزنها. ومن هنا برزت صفحة Ehden Seasons كمنصّة تهدف بحسب مؤسّستها ومديرتها ناتالي خواجة إلى «الإضاءة على إمكانات القضاء ببلداته وقراه كافة وتعريف السيّاح به ومواكبة الأحداث والنشاطات كافة التي ستُقام. ويقدر أن يشهد القضاء أكثر من 300 مهرجان ونشاط هذا الصيف تتوزّع بين الثقافي والديني والسياحي والبيئي والترفيهي والرياضي».
وتشدّد خواجة على اللامركزية السياحية التي يشهدها قضاء زغرتا، حيث «تعمل البلديات والجمعيات والمبادرات الشبابية كخلايا نحل لتفعيل دور القضاء ككل سياحياً والإفادة من مقوماته، على قاعدة أن المنفعة تعمّ الجميع والإنماء هو لمصلحة كل أبناء المنطقة ويساعد على تعزيز رفاهية السكان وتجذّرهم بأرضهم. ويبدو هذا جلياً عبر المشاريع الجديدة التي تُفتتح كل عام في القضاء وفي البلدات كافة، وخصوصاً بيوت الضيافة التي تقدّم خدمات ذات جودة عالية. كذلك هنالك استثمارات كبيرة في القطاع المطعمي وهو من ركائز السياحة في زغرتا وإهدن وبلدات القضاء، وهنالك أسماء فنية كبيرة ستستضيفها المطاعم في المنطقة». فعلياً النشاطات السياحية بدأت في قضاء زغرتا منذ أسابيع، وعدد من البلدات تتجهّز للإعلان عن مهرجاناتها وخططها. وفي هذا السياق تلفت خواجة إلى أنه من أبرز الأحداث التي ستُنظّم، مهرجان Cabriolet Film Festival في الهواء الطلق في نسخته الـ 16 من 7 إلى 9 حزيران (يونيو) في ميدان إهدن، بالتعاون مع «مؤسسة سينمائيات» التي أسّستها ريما فرنجية كمشروع داعم للسينما في لبنان وللأفكار الشبابية. ويُعدّ Cabriolet Street Festival من أبرز المهرجانات للأفلام القصيرة في لبنان، وموضوعه لهذا العام هو «الآخر»، إذ ستتناول الأفلام اللبنانية والعالمية المعروضة عوالم متعدّدة وتجارب مختلفة.
مهرجان «إهدنيات» الغني عن التعريف يطل بنسخة جديدة هذا الصيف، محافظاً بحسب خواجة على تميّزه ورونقه ومكانته من حيث الفعاليات التي سينظمها والفنانين اللبنانيين والعرب الذين سيستضيفهم، ويمتد على عشرة أيام من 18 إلى 28 تموز (يوليو). تلفت خواجة إلى أن قضاء زغرتا يعجّ بدروب المشي والهايكينغ التي تسمح باستكشاف طبيعة هذه المنطقة الخلابة عن كثب، وخصوصاً محمية حرج إهدن التي تُعدّ من أهم المحميات في لبنان والمنطقة من حيث التنوع البيولوجي. ومن أبرز مشاريع الهايكينغ هذا الصيف المغامرة التي تنظمها Highlander Lebanon من 7 إلى 11 آب التي تتضمن 3 خيارات، كل منها لمسافة معيّنة يمكن للمهتم أن يختار الأنسب له.
والحدث الأهم سيكون حكماً تطويب البطريرك إسطفان الدويهي، إذ ستشهد إهدن في 3 آب احتفالاً مركزياً ضخماً في المناسبة، وأنشطة لا تحصى في القضاء ككل فرحاً بالحدث الوطني والديني الكبير.