زيارة قائد الجيش (والمرشّح لرئاسة الجمهوريّة) ليست جديدة أو وحيدة. قد يكون أكثر قائد جيش تلقّى دعوات لزيارة واشنطن. إميل لحّود كان مثال القائد الذي شكّل عقدة للسياسة الأميركيّة، لأنه كان مُجاهراً بمعاداته للصهيونيّة وتأييده للمقاومة. طبعاً، بعد لحّود، أقامت واشنطن علاقات وثيقة مع قادة الجيش. لم تغضب على قائد جيش إلا جان قهوجي عندما تجرّأ ضابط لبناني في العديسة على إطلاق النار على جيش العدوّ. عندها، استدعته أميركا على عجل وأفهمته أنّ أي رصاصة ضد إسرائيل ستؤدّي إلى وقف كل المساعدات الأميركيّة للجيش، وأن الكونغرس يمكن أن يسنّ عقوبات ضد الجيش. مذّاك، لم تُطلق رصاصة واحدة من الجيش ضد العدو، ولا رصاصة! في هذه الحرب بين المقاومة وجيش الإبادة الإسرائيلي، لم يردّ الجيش على القصف المباشر الذي تعرّض له. وقادة الجيش الذين سبقوا عون كانوا على الأقلّ دائمي التنديد بإسرائيل وبتأييد المقاومة (نذكر الخطابات الخشبيّة جداً لميشال سليمان قبل انتقاله إلى الضفّة الأخرى نتيجة إقناع سعودي شديد السخاء). خُطب جوزيف عون نادرة في التنديد بإسرائيل وإرهابها، حتى أثناء هذه الحرب وهي أطول حرب عربيّة ــ إسرائيليّة منذ حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل. طبعاً، يردّ بعض اللبنانيّين بالقول إنّ الجيش يحتاج إلى المساعدات الأميركيّة. الجواب: 1) حتى لو كان ثمن هذه المساعدات لجم الجيش حتى من الدفاع عن نفسه وعن شعب لبنان من عدوان إسرائيل؟ حتى لو كان الثمن حصر نيران الجيش بلبنانيّين وفلسطينيّين؟
2) ما أهمية هذه المساعدات التي تستمرّ منذ نحو عشرين سنة ولم تستطع ــ عن قصد ــ من تحويل الجيش من قوّة شرطة بسلاح شرطة إلى جيش مجهّز قادر على الدفاع عن لبنان؟ أميركا (وأتباعها في لبنان) يريدون منع الجيش من اقتناء أسلحة إستراتيجيّة رادِعة، في الوقت الذي يريدون فيه نزع سلاح القوّة الرادِعة الوحيدة ــ في كل تاريخ لبنان ــ بوجه إسرائيل. وصورة الابتسامة العريضة للقائد مع قائد القيادة المركزيّة لم تكن لائقة بتاتاً ــ ليس في هذه الظروف التي يغيب فيها الجيش عن الجنوب وأهله.