منظومة الفساد في الدولة اللبنانية لا تقبل أن يقوم أي مشروع يحفظ حق الناس في استعمال الملك العام. شاطئ البحر في منطقة الهري - شمال لبنان مثال على ذلك. أحد النماذج المعتدية على الأملاك البحرية في تلك المنطقة هو مسبح «سانت ايلان»، الذي يملكه كل من سلطانة (سونيا) فرنجية الراسي، ووليد الراسي ويولاند عازار. مساحة عقار هذا المسبح 905 أمتار مربعة، الا أنه يتعدى على مساحة 1760 مترا مربعا.
أسوة بجميع المجمعات القائمة على الاملاك البحرية، يمنع مسبح آل الراسي ورفاقهم الناس من الولوج الى البحر اذا لم يدفعوا لقاء ذلك. في المقابل أتى من يُغير الواقع القائم، فكانت شركة «الناعورة» لصاحبها جواد عدره، التي اشترت ستة عقارات بينها العقاران 656 و309 المتاخمان للأملاك البحرية. بعد شراء العقارات اشترطت الشركة ازالة التعديات الموجودة عليها. تحرك عدره في المنطقة عبر فتح المكان أمام العامة، والنزاعات القضائية التي قامت بينه وبين «سانت ايلان»، أثارا حفيظة أصحاب المسبح، الذين لن يرتاحوا قبل ايجاد وسيلة لاقفال الشاطئ.

سيبقى المكان في
الهري متاحاً للجميع، ولكن
ليس بشكله الحالي

آخر فصول الخلاف، شكوى وصلت الى شرطة السياحة تفيد بأن جمعية «انماء» التي دعت الناس الى الاستفادة من البحر لم توظف مُنقذاً وليس لديها غرفة اسعافات أولية، كما أنها لا تملك لائحة أسعار مرخصة. عناصر الشرطة توجهوا الى الهري يوم الجمعة للكشف على المكان دون أن يتمكنوا من لقاء أي من المالكين. ترى الشرطة السياحية أن شروط المسابح تنطبق على الهري بمجرد أن «انماء» تدعو الناس الى المجيء إليها. سأل أحد أعضاء الجمعية عنصر الشرطة على الهاتف اذا ما كان «المشتكون قد وظفوا منقذا؟»، الجواب كان: «نعم واسمه علي السمروط». يضحك عضو الجمعية، قائلا بسخرية «هذا الرجل يبيع السمك في شكا، يملك شهادة مُنقذ، ولكنه غير موظف لديهم». النتيجة كانت تحرير محضر ضبط بحق الجهة المستثمرة: «القضاء سيبت العقوبة، ولكن بحسب المتعارف عليه كان يجب أن توجه إلينا الشرطة السياحية انذارا بداية».
عملية الكرّ والفرّ بين «الناعورة» و«سانت ايلان» بدأت عام 2009. لا تزال الدعاوى قائمة بين الطرفين، ولكن في 18 كانون الاول 2014 صدر قرار مجلس شورى الدولة، الذي رد فيه طلب «سانت ايلان» وقف تنفيذ ازالة تعدياتهم الحاصلة على الاملاك العامة، مشيرا إلى أنه «ما من ضرر بالجهة المستدعية، أي سلطانة فرنجية ورفاقها، وهي تعترف بتعديها على الاملاك العامة، وليس لها مصلحة مشروعة أو محمية قانونا». النزاعات لم تحل أمام استقبال رواد البحر «ببلاش» منذ تموز الماضي. عُقدت الآمال على «انماء»، وعُدّت دليلا على أن مقاومة «محتلو البحر» ليست أمرا صعبا. الا أن ذلك لا يبدو أنه سيدوم طويلا، فالجمعية أمام خطر الانجرار الى الانقضاض على هذا الحق، الذي صانته.
يوم الاحد الماضي «كان هناك قرابة الـ400 شخص»، يقول المهندس غزوان عيسى، الذي يتولى ادارة المشروع. نساء منقّبات وأطفال أتوا من القرعون«كان المشهد جميلا، حيث أن هؤلاء تشاركوا المكان مع فتيات في لباس البحر. الكل مرحب به هنا». يزعم أعضاء الجمعية أن «جيراننا (الراسي) يصورون المحجبات ويشهّرون بنا أننا نشوه وجه الهري السياحي، لأنهن يسبحن بملابسهن، كما أنهم يشتكون للقوى الامنية أن شبابا يأتون في الليل يقومون بأعمال غير لائقة».
في البداية فُرض على الداخلين دفع عشرة آلاف ليرة كرسم دخول «الى أن اتخذت القرار بأن يكون الدخول مجانا بسبب أنه لا يمكنني أن أُقدم خدمة مُحترمة للناس بوجود القوى الأمنية»، بحسب عيسى. الا أن نائب رئيس «انماء» محمد شمس الدين يؤكد أن «الأملاك العامة لن تبقى مجانية بسبب الكلفة العالية». يكشف عيسى أنه تكلف حتى تاريخ الأول من آب 12466 دولارا. وينطلق أصحاب نظرية فرض رسم دخول من هذه النقطة ليقولوا: «اذا لم نُسدد له المبلغ فسيخسر»، كما أنهم يتذرعون بأن كشك المأكولات «ما بيطلّع شي»، علما أن أصحاب تجارب سابقة في ادارة الأكشاك في الأملاك البحرية العامة يؤكدون أن «الارباح كنا نجنيها من خلال تأجير الكراسي والطاولات والاكل».
أصحاب الرأي الآخر في الجمعية، الذين يرفعون لواء «الشاطئ لكل الناس»، يرون أن الاستثمار في ظل هذا الوضع القائم أفضل طريقة للحفاظ على الملك العام. يتساءلون «لماذا تقع علينا مسؤولية رفع الزبالة من دون مقابل؟»، مشيرين إلى أنهم يقومون بدور البلدية التي «لا تريد أن تتدخل لأنها تخاف من المتنفذين». على الرغم من أنهم يدركون أن فرض المال يضعهم في مصاف بقية الذين يحتلون البحر، «ولكن الى أي حد نقدر أن نطبق القانون، فيما غيرنا يُخالفه. إما أن ننضم الى المخالفين، أو نقول إن الجمعية لا تبغي الربح». في نهاية المطاف: «شو ما بدنا نعمل بدو يضل ملك للناس».
نائب رئيس جمعية «انماء» محمد شمس الدين يُغرد في مكان آخر. يقول في حديث مع «الاخبار» إنه «عمليا أي مشروع اذا لم يكن هناك مساهمة مادية فيه ولو بجزء بسيط فلن يعني للناس». لا ينفي أن المكان ملك عام «ولكن العقار قيمته المالية كبيرة. نريد التوفيق بين اتاحته للناس وتأمين مدخول للصيانة». تحت عناوين خدماتية - انمائية يُبرر شمس الدين فرض رسم للدخول: «تخصيص جزء من العائدات لتمويل مشاريع أخرى من أجل تنويع الخدمات».
الجمعية أمام ثلاثة خيارات: «أن تتحمل هي التكلفة أو تفرض رسم دخول رمزي أو لا تسمح بادخال المأكولات»، استنادا الى شمس الدين. ريثما تتبلور معطيات جديدة «سيبقى المكان متاحا للجميع، ولكن ليس بشكله الحالي». أما أحلام الشركة مالكة العقارات، فهي غير خافية «ايه أكيد نُفكر في مشروع استثماري، ولكن لم تُحدد ملامحه بعد».