وكانت قد ربطت إسرائيل الانتصار على حركة «حماس»، بالسيطرة على منطقة رفح والقضاء على الكتائب الأربع المقاتلة فيها. وعلى هذه الخلفية، باتت المدينة تشكّل محطّة فارقة للقيادة السياسية كما العسكرية، وإنْ كانت الأولى هي التي ربطت انتصارها «المطلق» بالدخول إلى رفح، فيما يبدو أن الجيش يعمل على تكييف نفسه مع مطلب السياسيين، لينتقل منه، في حال أمكنه هذا، إلى إعلان نهاية الحرب التي لا يريد الاستمرار فيها، وذلك عبر الإعلان عن الانتهاء من تفكيك آخر كتائب المقاومة في قطاع غزة. ومن هنا، يدّعي جيش العدو، في بياناته، أنه فكّك كتيبتَين من أصل أربع في منطقة رفح، وأنه بحاجة إلى ما بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع للانتهاء من تفكيك الكتيبتَين المتبقيتَين.
يمكن التقدير أن المؤسسة العسكرية تنقل عبء الحرب ونتيجتها إلى المؤسسة السياسية
ولكن، ماذا بعد «التفكيك»؟ هل هي معركة على الوعي، في الداخل الإسرائيلي أولاً، ولدى الآخرين ثانياً؟ الإشارات الواردة من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تفيد بذلك، فيما يظهر أن الداخل في إسرائيل سيكون على موعد مع «جردة إنجازات» الحرب في قطاع غزة بعد عدة أسابيع، وهو ما يسبق أو يمهّد لإنهاء الحرب عقب إعلان الانتصار فيها. و«جردة الإنجازات» هذه، تتوافق مع النصيحة التي تلقّاها جونسون، والتي استعارها هليفي الآن. لكن، هل توافق المؤسسة السياسية على مثل هذا المسار؟ التباين يَظهر واضحاً بين المؤسستَين، والواضح أيضاً أن الجيش الإسرائيلي بدأ بتسريب معطيات وتقديرات، مكثّفة ومدروسة، ليقول إنه أنهى المهمّة، وإن النتيجة الحالية هي أقصى ما يمكن إنجازه عسكرياً، وإنه ينوي أن يقرن ذلك بعرض إنجازات الحرب في الأسابيع القليلة المقبلة، وفقاً لما أكدته مصادر رفيعة للإعلام، في محاولة للإيحاء، للإسرائيليين أولاً، بانتصار مشكوك فيه.
وعليه، يمكن التقدير أن المؤسسة العسكرية تنقل عبء الحرب ونتيجتها إلى المؤسسة السياسية، محاولةً القول إنه حان الوقت لتثمير الإنجازات العسكرية وترجمتها في شكل ترتيبات ومخارج سياسية للحرب نفسها. وبكلمات أخرى، يشدّد العسكر على البديل السياسي، باعتباره الخيار الوحيد المتبقّي، ليبدو وكأن المعركة الآن إسرائيلية - إسرائيلية، في حين أن المقاومة، وفي مقدمتها حركة «حماس»، لا تزال على تموضعها وشروطها. وإذا كان الآتي هو حرب روايات و«جردات إنجازات»، فسيكون الأسرى الإسرائيليون، بالدرجة الأولى، هم ما سيمنع الوعي الجمعي الإسرائيلي من تقبّل رواية تل أبيب الرسمية؛ إذ كيف يتفق حسم الحرب، والقضاء على آخر كتائب المقاومين، مع المطالبة باستئناف المفاوضات للتوصّل إلى اتفاق لتبادل الأسرى؟