مع اشتداد العزلة الدولية لإسرائيل بسبب حرب غزة، سواء على خلفية تعرّضها للملاحقة القضائية أمام «محكمة العدل الدولية»، أو تدهور علاقاتها مع بعض حلفائها الغربيين، كفرنسا والولايات المتحدة، أفاد تقرير أممي حديث بتورّط كيان الاحتلال في ارتكاب «انتهاكات جسيمة» لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، في قطاع غزة والضفة الغربية، ومن ضمنها جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، متّهماً القوات الإسرائيلية بالتسبّب بمقتل وإعاقة عشرات آلاف الأطفال الفلسطينيين. وفي تقرير صدر الأربعاء، كشفت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان»، أن القوات الإسرائيلية «ربّما انتهكت مراراً المبادئ الأساسية لقانون النزاعات في قطاع غزة»، عبر استخدام متفجّرات ضخمة في ضرب مناطق مكتظّة بالمدنيين في القطاع خلال الأشهر الأولى التي أعقبت أحداث السابع من أكتوبر. ومن ذلك ست حالات تمّ فيها توثيق عمليات قصف عبر قنابل ثقيلة زنة 2000 رطل، وحالات خمس أخرى تمّ فيها القصف من دون إطلاق الجيش الإسرائيلي أيّ تحذير.وبحسب ما أوردته خلاصة التقرير، الذي يستند إلى معلومات مفتوحة المصدر ومقابلات ووثائق أخرى، في الفترة الممتدّة بين 7 تشرين الأول و 2 كانون الأول من عام 2023، فإن متطلبات اختيار الوسائل والأساليب الحربية التي من شأنها تجنّب أو تقليص إلحاق الضرر بالمدنيين إلى الحدّ الأقصى، قد انتُهكت باستمرار في حملة القصف التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في غزة. كما أن «تواجد قائد عسكري واحد، أو مجموعة من المقاتلين (التابعين للفصائل الفلسطينية)، أو حتى تواجد عدة أهداف عسكرية مختلفة في منطقة واحدة، لا يستدعي التعامل مع المنطقة السكنية المحيطة بأكملها على أنها هدف عسكري، الأمر الذي يتطلّب من الدول التي تزوّد الأطراف المتحاربة بالأسلحة، مراعاة القانون الدولي لناحية ضمان التزام الطرف المتلقّي للأسلحة بقانون النزاعات»، وفق المفوضية الأممية.
تلك الاتهامات جاءت أيضاً على لسان رئيسة لجنة التحقيق الدولية المستقلّة التابعة للأمم المتحدة والمعنية بالجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نافي بيلاي، إذ أكدت وجود دلائل في شأن «تعمّد» الجيش الإسرائيلي استهداف المدنيين الفلسطينيين في مناطق مكتظّة بالسكان، وعرقلته وصول الإمدادات الإغاثية والإنسانية والخدمات الأساسية إليهم، كأداة للحرب. ففي اجتماع حول تقرير اللجنة المذكورة على هامش الدورة الـ 56 لـ»المجلس الأممي لحقوق الإنسان» في مدينة جنيف السويسرية، أكدت بيلاي أن إسرائيل تتحمّل المسؤولية عن عمليات القتل والتهجير القسري والعنف الجنسي ضدّ الفلسطينيين، مضيفة أن عدد الضحايا المدنيين في غزة والدمار الهائل للبنية التحتية، يأتيان «نتيجة سياسة مقصودة تنتهجها إسرائيل».
رجّحت بيلاي أن يكون آلاف الأطفال تحت أنقاض المباني والمنشآت المدنية التي استهدفها الجيش الإسرائيلي في غزة


ولدى عرضها تقرير اللجنة الأممية، والمتعلّق بجهود التحقيق في أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها، كشفت بيلاي أن السلطات الإسرائيلية عرقلت تلك الجهود، موضحة أن حكومة بنيامين نتنياهو منعت ممثّلي اللجنة من الوصول إلى غزة والضفة الغربية، واستكمال التحقيقات اللازمة التي لا تزال «غير مكتملة». ومع ذلك، تابعت المسؤولة الأممية: «سوف نستمرّ في عملنا، والتحقيق لم ينتهِ».
وعلى رغم محاولتها اتهام حركة «حماس» وفصائل فلسطينية أخرى باتهامات مشابهة، رجّحت رئيسة لجنة التحقيق الدولية المستقلة أن يكون آلاف الأطفال تحت أنقاض المباني والمنشآت المدنية التي استهدفها الجيش الإسرائيلي في غزة، متوقّفة عند التبعات «الخطيرة» التي خلّفتها الحرب على صعيد البنية التحتية اللازمة لرفاهية الأطفال، بما فيها المستشفيات والمدارس والخدمات الأساسية. وتابعت بيلاي أن «هناك انتهاكات تقع كل يوم» ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مؤكدة أن «المحكمة الجنائية الدولية» ستعتمد على التقرير الذي تصدره اللجنة التي ترأسها.
وفي السياق نفسه، تعهّد رئيس مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين، أجيت سونغاي، بمواصلة «تقييم ما إذا كانت الهجمات الإسرائيلية في غزة تتبع مبادئ القانون الدولي الأربعة، سواء تلك المتمثلة بالتناسب (في الرد العسكري)، واعتبارات الضرورة (العسكرية)، أو التمييز (بين الأهداف المدنية والعسكرية)، والإنذار المسبق (قبل تنفيذ عمليات الإغارة والقصف لمناطق مأهولة)»، مستدركاً بالقول إنه «مع استخدام هذا النوع من الأسلحة في منطقة مكتظّة بالسكان، على غرار غزة، سيكون من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، اتّباع المبادئ الأربعة المشار إليها». وأشار سونغاي إلى أن «المحقّقين العسكريين الإسرائيليين فتحوا تحقيقات لتقصي الحقائق في خمسة من الحوادث الستة الواردة في تقرير المفوضية الأممية لحقوق الإنسان»، مشدّداً في الوقت نفسه على أهمية «إجراء تحقيق مستقلّ في كل هجوم، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات» للقوانين والمواثيق الدولية المرعية الإجراء. كما أعرب سونغاي، الذي اختتم لتوّه مشاركته ضمن بعثة أممية قدِمت أخيراً إلى غزة، عن تمسكه بالنتائج التي توصّل إليها تحقيق «المفوضية الأممية لحقوق الإنسان»، كاشفاً أنها «تستند إلى جمع وتحليل دقيق للأدلة، فضلاً عن مشاورات مع خبراء عسكريين دوليين». وكردّ فعل على تقرير المفوضية، أعلنت سفيرة إسرائيل لدى الأمم المتحدة في جنيف، ميراف شاهار، رفضها خلاصة التقرير، متّهمة المكتب بنشر ما سمّته «مزاعم لا أساس لها من الصحة».