تونس | خيّم صمت عميق وحزن ثقيل ظهر الثلاثاء على الشارع الثقافي والإعلامي في تونس بعد رحيل الناقد السينمائي البارز خميس الخياطي (1946 ــ 2024) على إثر معاناة مع المرض عاشها في صمت وشجاعة. وكان الخياطي قامة عربية نجح في نحت مسيرة نقدية في مجال السينما خصوصاً. غادر قريته «القصور» التي ولد فيها في الشمال الغربي من ضواحي مدينة الكاف التي اشتهرت بالموسيقى والمسرح. وبعد الدراسة الثانوية بين الكاف والعاصمة تونس، سافر إلى باريس التي عاش فيها من أواخر الستينيات إلى مطلع التسعينيات عندما قرّر العودة النهائية إلى تونس بعد مسيرة ثقافية ومهنية ناجحة في عاصمة الأنوار.حاز الخيّاطي الدكتوراه في علم الاجتماع بأطروحة حول سينما صلاح أبو سيف، لكن أضواء السينما وحركية الصحافة اختطفته من صرامة أروقة الجامعات، ففضّل الإنتاج الثقافي والفني والإعلامي على التدريس، فخاض محطّات مهنية بارزة من بينها المساهمة في تأسيس مجلّة «اليوم السّابع» في باريس والإنتاج والتقديم في إذاعة «فرنسا الثقافية» والعمل في القسم الإعلامي في «معهد العالم العربي» في باريس.
وعندما عاد إلى تونس، لم ينقطع عن المساهمة الفاعلة في الحياة الثقافية، فعمل مراسلاً طوال سنوات لإذاعة «مونت كارلو» وأنتج للتلفزة التونسية برامج سينمائية في أكثر من فترة وانتمى إلى هيئة «أيام قرطاج السينمائية»، أعرق مهرجانات السينما في أفريقيا والعالم العربي، ولم ينقطع عن الكتابة في منابر عربية وتونسية. وفي هذه الرحلة الطويلة، قدّم خميس الخياطي مجموعة من أبرز الكتب النقدية باللغتين العربية والفرنسية نذكر منها: «تسريب الرّمل»، و«فلسطين في السينما»، و«النقد السينمائي»، و«عن السينما المصرية»، و«صلاح أبو سيف ــــ المخرج المصري»، و«السينمات العربية»، و«بحثاً عن الصورة»، و«من بلدي»، و«أيام قرطاج السينمائية +50 : ذاكرة خصبة» ومن الإنجازات التي قام بها خميس الخياطي إهداء جزء من مكتبته إلى المكتبة السينمائية في «مدينة الثقافة الشاذلي القليبي» التي تولّت رقمنة الأرشيف النادر من صور وأفلام وأشرطة فيديو وتسجيلات مع عدد كبير من السينمائيين العرب والفرنسيين، ونظّمت معرض صور نادرة من أرشيفه في المكتبة السينمائية، وأصدرت كتاباً بعنوان «شغف الصورة» قبل عامين.
رحيل خميس الخياطي ليس خسارة لتونس فقط، بل للثقافة العربية أيضاً، فقد كان الخياطي تونسياً بروح عربية.