رضخت «الإدارة الذاتية» التي تقودها «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) للضغوط السياسية التي فُرضت عليها لتأجيل الانتخابات المحلية التي كانت قد حددت موعد إجرائها في الـ11 من الشهر الحالي، مبرّرة القرار بأنه استجابة لطلب قوى سياسية، ولإفساح المجال للدعاية الانتخابية. ويأتي هذا في وقت يستمر فيه الحديث عن الوساطة العراقية بين دمشق وأنقرة لفتح الأبواب المغلقة بين البلدين، والتي يشكل أبرز أهدافها، بالنسبة إلى الثانية، التخلص من «خطر الأكراد وعبء اللاجئين»، فيما تتمسك الأولى بشرط انسحاب القوات التركية غير الشرعية من الشمال السوري باعتباره الهدف الأساسي لأي انفتاح. ولم يكن قرار تأجيل الانتخابات إلى شهر آب المقبل، مفاجئاً؛ إذ تمّ التمهيد له عبر طلب أربع قوى سياسية كردية، التأجيل، بينها «مجلس سوريا الديموقراطي» (مسد)، الذراع السياسية لـ«قسد»، وخصوصاً بعد التصعيد التركي الأخير ضد هذه الانتخابات التي تسعى إلى ترسيخ «سلطة الأمر الواقع»، فضلاً عن إعلان الولايات المتحدة رفضها إجراءها، واعتبارها، وفقاً لبيان رسمي، أن «الظروف غير ملائمة» لها. وكانت الضغوط التي تعرّضت لها «قسد» تزامنت مع إعلان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بدء وساطة بين سوريا وتركيا، في محاولة لاستثمار علاقته المتينة مع الطرفين، الأمر الذي علّق عليه وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، بأن موقف سوريا ثابت ولم يتغير، عبر السعي لإقامة علاقات طبيعية مع دول الجوار، يكون أساسها انسحاب القوات غير الشرعية. وأضاف المقداد، خلال مؤتمر صحافي مع القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، الذي زار دمشق قبل أيام، «(أننا) لا نتفاوض مع من يحتل أرضنا، ومع من وعد وأكّد عدة مرات أن يقوم بالانسحاب من الأراضي السورية المحتلة، والتركي وعد من قبل بهذا الأمر وتراجع عنه». وتابع: «نريد أن نرى شيئاً دقيقاً، وأن تلتزم الدولة التركية بالانسحاب من الأراضي العربية السورية، إذ لا يجوز أن يستمر هذا الاحتلال، وأن يستمر دعم القوى الإرهابية المسلحة في الشمال السوري من الجانب التركي، لأن ذلك يتناقض مع أي جهود يجب أن تُبذل من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين». كما أكّد أنه «لن تُطبع العلاقات بين البلدين إلا إذا قالت تركيا في وضح النهار إنها ستنسحب من الأراضي السورية».
مدّدت الولايات المتحدة استثناءات العقوبات التي تشمل مناطق سيطرة «الإدارة الذاتية» ومناطق أخرى تسيطر عليها تركيا


وبينما لم تصدر أي تصريحات أو تسريبات من الجانبين السوري والتركي حول الانخراط الفعلي في جهود السوداني، ذكرت وسائل إعلام عراقية أن اجتماعاً مرتقباً ستحتضنه بغداد يضم مسؤولين سوريين وأتراكاً، لوضع أسس للحوار. ونقل موقع «شفق نيوز» عن مصدر حكومي عراقي، أن السوداني وفريقه «حقّقا نتائج إيجابية من خلال اتصالات ولقاءات ثنائية لم يُكشف عنها»، وأن دمشق وأنقرة «أبدتا قبولاً كبيراً للوساطة العراقية»، علماً أن التسريبات الصحافية هذه تأتي بعد يومين على اتصال هاتفي بين الرئيس السوري، بشار الأسد، والسوداني، لم يذكر البيان الصحافي الذي أعقبه أنهما ناقشا الوساطة، فيما اقتصرت المعلومات التي ذكرها أن الطرفين ناقشا القضايا المشتركة وجهود محاربة الإرهاب والأوضاع في فلسطين.
أما واشنطن، التي كثّفت خلال الأيام الماضية ضغوطها على «قسد» لتأجيل الانتخابات، وفق ما أكدت مصادر كردية تحدثت إلى «الأخبار»، في وقت سابق، فسارعت بالتوازي مع إقرار التأجيل، إلى الإعلان عن تمديد استثناءات العقوبات المفروضة على سوريا، والتي تشمل مناطق «الإدارة الذاتية» ومناطق أخرى تسيطر عليها تركيا في الشمال السوري، باستثناء المناطق التي سيطرت عليها الأخيرة بعد طرد «قسد». ونشرت وزارة الخزانة الأميركية نص قرار تمديد الاستثناءات، والذي تضمن إضافة بعض التعديلات المتعلقة بعمل المنظمات غير الحكومية في سوريا، بما يسمح لها بالمشاركة في أنشطة تدعم بعض المشاريع غير التجارية. وتشمل الأخيرة «المشاريع الإنسانية لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية، بناء الديمقراطية، التعليم، المشاريع التنموية غير التجارية والتي يستفيد منها الشعب السوري بشكل مباشر، والمشاريع غير التجارية، والحفاظ على مواقع التراث الثقافي وحمايتها، وحماية البيئة والموارد الطبيعية، وبرامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، وبرامج بناء السلام، ومنع الصراعات وحل النزاعات والأنشطة المتعلقة بمشاريع التعافي المبكر التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية»، وفق القرار الذي أكّد، في الوقت ذاته، استمرار العقوبات على المناطق غير المستثناة.
وتأتي هذه الاستثناءات التي بدأت عام 2020 في سياق محاولة الولايات المتحدة ترسيخ حدود السيطرة القائمة، عبر عمليات إنعاش المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، واستثمار هذا الوضع في دفع تركيا والفصائل التابعة لها إلى التعاون مع «قسد». والجدير ذكره، هنا، أن واشنطن قامت منذ النصف الثاني من عام 2020 وحتى منتصف عام 2024، بإصدار أربع لوائح في هذا الشأن.