القدس المحتلّة | مع استئناف المستوطنين اقتحاماتهم الواسعة للمسجد الأقصى بانتهاء شهر رمضان - والتي تكرّرت صباح أمس -، وتجديد الاحتلال عدوانه على مصلّى باب الرحمة الذي كان أُغلق ما بين عامَي 2003 و2016 بدعوى استخدامه من قِبَل «منظّمة إرهابية» علماً أنه استُخدم كمقرّ لـ«لجنة التراث والعلوم الإسلامية»، تعود مدينة القدس إلى واجهة المشهد، مُحمِّلةً هذا الأخير عوامل توتير جديدة يمكن أن تدفع نحو الانفجار. وخلافاً لما كانت تعهّدت به خلال الشهر الهجري المنقضي، لناحية العودة إلى «برنامج» الاقتحامات الذي كان قائماً قُبيل رمضان، قرّرت شرطة الاحتلال تمديد هذه الاقتحامات بصورة دائمة بواقع نصف ساعة إضافي يومياً. وجاء هذا القرار في وقت عاودت فيه سلطات العدو، أوّل من أمس، انتهاكاتها في باب الرحمة، بما شمل اقتحام المصلّى وتخريب محتوياته وتهشيم التمديدات الكهربائية فيه والاعتداء على المصلّين داخله. وسبق ذلك، ليل الأحد - الإثنين، قيام قوات الاحتلال بقطع تمديدات الكهرباء الخارجية الموصلة إلى سمّاعات المسجد الأقصى المتاخمة لحيّ المغاربة وساحة البراق، ومنعها رفع أذان العشاء من هذه السمّاعات، تزامناً مع إقامة احتفال يُقام في ساحة البراق في ذكرى اغتصاب فلسطين، حضره مسؤولون إسرائيليون كبار.

إزاء ذلك، يرى المحلّل السياسي والإعلامي المقدسي، راسم عبيدات، أن «الانفجار من بوابة الأقصى والقدس قادم لا محالة، وإنْ تأخّر بعض الشيء»، لافتاً، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أنه «لم يكد ينتهي شهر رمضان حتى استؤنفت الهجمة على الأقصى، وبالتحديد المنطقة الشرقية التي تخطّط دولة الكيان والجمعيات التلمودية والتوراتية للسيطرة عليها، وهي تشمل ثلث مساحة المسجد الأقصى، بدءاً من منطقة باب الرحمة وجزء من مقبرة المسجد التي جرى الاستيلاء عليها، مروراً بالقصور الأموية، وصولاً إلى حائط البراق الذي جرى توسيع ساحته واستبدال الجسر الخشبي فيه بجسر ثابت بعد هدم تلّة باب المغاربة بما يسمح بزيادة عدد المقتحمين اليهود، فضلاً عن إقامة مقهى فوق حائط البراق لكي يكون هناك تواجد يهودي على مدار الساعة يسمح بمراقبة كلّ ما يجري في الأقصى، في مقابل منع الصلاة في مصلّى باب الرحمة». ويذكّر عبيدات بأنه «في تشرين الثاني 2018، أعاد الشبّان المقدسيون افتتاح المصلّى، لكن الاحتلال عاود إغلاقه مجدّداً، فاندلعت هبّة شباط 2019، حيث جرى كسر الأقفال التي وضعها العدو على أبوابه الخارجية»، مستدركاً بأنه «لم يتمّ فتحه كجزء أصيل من مصلّيات المسجد الأقصى، بل مَنع الكيان إدخال الرفوف الخشبية إليه لوضع أحذية المصلّين فيها، كما منع إدخال السجاجيد إليه، وحظر على الأوقاف القيام بأيّ عمليات ترميم وتصليح وتبليط في ساحاته، فيما كلّ من يقترب منه كان يَجري اعتقاله أو إبعاده عن المسجد». وحذر من اعتزام الاحتلال «اقتطاع المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى لصالح المستوطنين»، قائلاً: «يبدو أن دولة الكيان تخطّط لاقتلاع كامل المنطقة الشرقية من الأقصى لبناء كنيس يهودي كبير، يكرّس تقسيم المسجد زمانياً ومكانياً، ويعمل على إيجاد حياة وقدسية يهودية فيه».
قرّرت شرطة الاحتلال تمديد الاقتحامات بصورة دائمة بواقع نصف ساعة إضافي يومياً


من جهته، يصف الأمين العام لـ«الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات»، حاتم عبد القادر، ما جرى في باب الرحمة بأنه «عدوان مبيّت جرى التحضير له منذ فترة طويلة من أجل إعادة الوضع في المصلّى إلى ما كان عليه قبل سنوات عدّة»، معتبراً ذلك «تطوّراً خطيراً وتصرّفاً استفزازياً ستكون لهما تداعيات كبيرة»، مؤكداً «(أنّنا) لا يمكن أن نقبل بإعادة إغلاق باب الرحمة مرّة أخرى»، وأن «أيّ محاولة لتغيير الوضع القائم لن تمرّ». ويشدّد عبد القادر، في حديث إلى «الأخبار»، على أن «الهيئات الإسلامية يجب أن تتحمّل مسؤوليتها، وصاحب الولاية يجب أن يتحمّل مسؤوليته»، مستدركاً بأنه «إذا ما وصلت الأمور إلى درجة لم يستطع معها هؤلاء كبح هذا العدوان، فأعتقد أن المواطنين قادرون على التصدّي وفتح باب الرحمة مرّة أخرى».
وكان الشيخ ناجح بكيرات، نائب مدير عام أوقاف القدس، اعتبر أن «الاحتلال أراد من اعتدائه المتجدّد على مصلّى باب الرحمة التضييق على الحضور الإسلامي فيه، وإثبات أنه المسيطر عليه»، جازماً أن «معركة هذا المصلّى حُسمت منذ سنوات، ولن تُفتح من جديد، وسيبقى مصلَّى للمسلمين وجزءاً من المسجد الأقصى». وأصدر «مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في القدس»، بدوره، بياناً، أكد فيه أن «التصرّفات العدوانية الصارخة التي تقوم بها قوات الاحتلال بحق المسجد الأقصى، وفي مصلّى باب الرحمة على وجه الخصوص، لن تُحقّق أهدافها»، منبّهاً إلى أن «المصلّى جزء أصيل من المسجد الأقصى الذي سيبقى مسجداً إسلامياً خالصاً لا يقبل القسمة ولا الشراكة»، مستنكراً «التدخّلات السافرة المستمرّة من قِبل قوات الاحتلال وعرقلتها لأعمال إعمار المسجد، وتخريبها المتعمّد لما تقوم به دائرة الأوقاف الإسلامية من أعمال صيانة وترميم».