طهران | دخل السباق الرئاسي في إيران مرحلة حاسمة، مع عقْد المناظرة التلفزيونية الأولى بين المرشّحين الستة للرئاسة، والتي شكّل "الاقتصاد"، باعتباره الهاجس الأول للإيرانيين والقضية الأبرز في هذه الانتخابات، محورها. وبُثّت المناظرة، مساء الإثنين، مباشرةً عبر "التلفزيون الوطني الإيراني"، فيما سعى كل من المرشحين، على مدى أربع ساعات، إلى تقديم نفسه على أنه "منقذ" الاقتصاد الذي يواجه تحدّيات جادّة منذ قرار الولايات المتحدة، عام 2018، الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات على الجمهورية الإسلامية. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة الإيرانية، إلا أن البلاد تشهد تضخّماً يقارب الـ50%، وتراجعاً في قيمة العملة الوطنية، وبالتالي انتشاراً أوسع للتذمّر الاجتماعي.وبالعودة إلى المناظرة، فهي أَظهرت، ومن خلال إجابات المرشّحين على الأسئلة المتعلقة بالاقتصاد، الخلافات السائدة في ما بينهم، ولا سيما حول مسألة العقوبات وأثرها على الاقتصاد المحلّي. فمن جهته، رأى المرشّح عن التيار الإصلاحي، مسعود بزشكيان، أن رفع العقوبات يمثّل واحداً من أهمّ السبل الكفيلة بمعالجة المشاكل الحالية للاقتصاد، إذ اعتبر، في جانب من مداخلته، العقوبات بمثابة "كارثة"، قائلاً إنه من الممكن "الالتفاف" عليها، لكن قد تحصل "حالات فساد على هامش ذلك، فيما تحتلّ إيران موقعاً لا تُحسد عليه في العالم من ناحية الفساد المالي". ووفق بزشكيان، فإنه لا يمكن البلاد، في الظروف الراهنة، أن تمتلك شريكاً تجاريّاً ثابتاً ومستداماً، فضلاً عن أن الصين، مثلاً، "لن تقوم باستثمارات في إيران من دون معالجة مشكلة مجموعة العمل المالي (فاتف)".
أمّا المرشّح الرئاسي الآخر، مصطفى بور محمدي، ومع أنه محسوب على التيار الأصولي، فهو يميل إلى مواقف الإصلاحيين والتيار المعتدل، إذ يحمل رؤًى مماثلة للمرشّح الإصلاحي في ما يخصّ مسألة العقوبات. وقال في هذا الجانب: "البعض كانوا يقولون إن العقوبات ليست قضية مهمّة، ولا يزالون يقولون ذلك في الوقت الحالي. لقد وضع العالم ضدّنا عقوبات مدمِّرة، وأُدرجنا في القوائم السوداء للدول. وعندما يتمّ قطع الطريق على مجمل علاقاتنا التجارية والمالية، فكيف يمكن رجال الأعمال أن يعملوا؟". ومن جهته، أكد المرشّح الأصولي، محمد باقر قاليباف، الذي يُعدّ الأوفر حظاً للفوز بالرئاسة، أنه في حال فوزه في الانتخابات، فإن حكومته ستكون لديها "خطّة لحلّ مشكلة العقوبات". وأضاف: "جميع الأجهزة الحكومية تقف في جانب، والجهاز الدبلوماسي يقف بمفرده في جانب آخر. يتعيّن على هذا الأخير أن يتابع مسألة رفع العقوبات". وتابع قاليباف، المسنود من الجناح التكنوقراطي للتيار الأصولي، أن حكومته "ستسعى إلى اعتماد سياسات من قبيل الإجراء مقابل الإجراء لرفع العقوبات".
تشير استطلاعات الرأي إلى أن قاليباف وبزشكيان وجليلي هم الأوفر حظاً على التوالي، للفوز في الانتخابات


أمّا المرشّحون الثلاثة الآخرون، فقلّما تطرّقوا في مداخلاتهم إلى الآليات الدبلوماسية لرفع العقوبات، بل ذهبوا إلى أنه يجب العمل من أجل "تحييد" العقوبات أو "الالتفاف عليها"، إذ رأى سعيد جليلي، المرشّح المدعوم من الجناح الراديكالي للتيار الأصولي ويُعدّ من أبرز ناقدي الاتفاق النووي، أن في وسع إيران وعلى رغم العقوبات، التحرّك في اتّجاه تطوير تجارتها مع البلدان الأخرى. وقال في المناظرة: "ثمة أناس كانوا يقولون إنه لا يمكن استقطاب الاستثمارات الأجنبية من دون الاتفاق، لكننا رأينا أنّنا عقدنا اتفاقات استراتيجية إبّان حكومة الشهيد رئيسي، وبينما يقول الأميركيون إن إيران لا يجب أن تبيع حتى برميلاً واحداً من النفط، نجد أن الدول الأخرى تشتري النفط من إيران". وأعرب جليلي عن اعتقاده بأن إيران، في ظلّ العقوبات، قادرة على تسجيل نمو اقتصادي قدره 8% سنويّاً خلال السنوات الأربع المقبلة.
بدوره، قال علي رضا زاكاني، الذي يحمل مواقف سياسية واقتصادية أقرب إلى الجناح الراديكالي للتيار الأصولي، إن "مشكلة الاقتصاد الإيراني، لا تكمن في العقوبات الأميركية الجائرة، بل في الوصفات الاقتصادية الأميركية". واعتبر أنه "يجب إبطال مفعول العقوبات، وأحد السبل إلى ذلك، هو حذف الدولار من الاقتصاد الإيراني". ودافع المرشّح الأصولي الآخر، أمير حسين قاضي زادة هاشمي، الذي كان مساعداً للرئيس الإيراني الراحل، عن السجلّ الاقتصادي لإدارة هذا الأخير خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ قال إن "العقوبات قد ازدادت، غير أن مبيعات النفط خلال إدارة رئيسي ازدادت هي الأخرى".
وعلى رغم أن معظم المراقبين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي رأوا أن المناظرة الأولى لم تحظ بجاذبية عالية ولم تلبّ التوقعات، لكن بما أن أربع مناظرات ستجري حتى موعد الانتخابات في الـ28 من الجاري، فالمتوقّع أن تكون قادرة على تحريك المشهد السياسي الإيراني، وأن تسهم في زيادة نسبة المشاركة الجماهيرية في الانتخابات الرئاسية. وتشير غالبية استطلاعات الرأي إلى أن ما بين 50% إلى 55% من الإيرانيين أعلنوا جهوزيتهم للإدلاء بأصواتهم، فيما يُتوقّع أن ترتفع هذه النسبة في ضوء سخونة التنافس بين المرشّحين. وتفيد غالبية الاستطلاعات، بما فيها الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "شناخت" (المعرفة)، بأن قاليباف وبزشكيان وجليلي هم الأوفر حظاً على التوالي، للفوز في الانتخابات، بينما تشير المعطيات المتاحة إلى احتمال أن تنتقل الانتخابات إلى الجولة الثانية. ومع الإعلان رسمياً عن المرشحين للدورة الـ14 للانتخابات الرئاسية، ووجود خمسة مرشحين محسوبين على التيار الأصولي، وإصلاحي واحد، فإن الكثيرين باتوا يستخدمون عبارة "1+5" للتعبير عن طبيعة التنافس الانتخابي في هذه الدورة. ولكن مع انطلاق الحملات الدعائية الانتخابية، اتّضح أن الخلافات في الرأي في شأن العديد من القضايا بين الأصوليين الخمسة أنفسهم، أكبر من أن توحّدهم للاصطفاف في وجه الإصلاحي الوحيد مسعود بزشكيان.
ونظراً إلى مواقف المرشّحين التي عبّروا عنها في برامجهم الانتخابية والطاولات المستديرة في التلفزيون، فقد فصل كلّ من علي رضا زاكاني، وسعيد جليلي، وعلي رضا قاضي زادة هاشمي، طريقهم عن الأصوليَّيْن الآخرَيْن، فيما يبدو مستبعداً جداً أن يستمرّ هؤلاء الثلاثة في خوض السباق الرئاسي حتى يوم الاقتراع. على أن التوجّه والانتماء المتشابهيْن لهؤلاء الثلاثة، والتخوّف من توزّع وتشتّت الأصوات بين الأصوليين، كل ذلك دفع قاليباف إلى وضع ائتلاف مرشّحي "جبهة الثورة" (الأصوليين) في مقدّمة أولوياته حتى قبل يوم إجراء الانتخابات. ومع ذلك، ونظراً إلى أن قاليباف وكذلك جليلي انسحبا سابقاً لمصلحة رئيسي، إلا أنه يُستبعد أن يكونا هذه المرّة جاهزَين للانسحاب لمصلحة مرشّح آخر.