كان مقرّراً إجراء انتخابات محلّية في المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) في غرب الفرات وشرقه، يوم الـ 30 من أيار الماضي، حين قرّرت "المفوضية العليا للانتخابات" التابعة لـ"الإدارة الذاتية"، تأجيل موعدها إلى يوم الثلاثاء المقبل، في الـ 11 من حزيران. لكن اللجنة عادت وأعلنت تأجيلاً جديداً إلى الثامن من آب المقبل. وقد أجمع المحلّلون الأتراك، في هذا الإطار، على أن التأجيل المتكرّر، جاء تحت وطأة تهديدات أنقرة باجتياح الجيش التركي المناطق التي تسيطر عليها "قسد". ورأى مجلس الأمن القومي التركي، في جلسة عقدها في الـ 28 من أيار الماضي، أن الانتخابات المحلّية تشكّل "تهديداً للأمن القومي لتركيا، ووحدة أراضيها"، مهدداً بأنه قد يلجأ إلى "تدابير عاجلة لضمان أمن الحدود التركية ورفاه شعب المنطقة".وتقول مصادر أمنية تركية إن أنقرة بذلت جهوداً كبيرة لتشكيل مناخ ضاغط إقليميّاً ودوليّاً، الأمر الذي اضطرّ واشنطن إلى سحب موافقتها على إجراء تلك الانتخابات، والقول إن "الظروف الضرورية لإجرائها غير متوفرة". ووفق فيدانت باتل، مساعد الناطق باسم الخارجية الأميركية، فإن قرار مجلس الأمن 2254 يفرض إجراء انتخابات حرّة وعادلة وشفافة وشاملة في جميع أنحاء سوريا، لكن "الظروف الآن لا تساعد على ذلك".
وفي خضمّ التطورات الحاصلة، صدرت مواقف كردية معارضة للانتخابات، من "المجلس الوطني" الكردي - السوري الموالي لـ"الحزب الديموقراطي"، برئاسة مسعود بارزاني، والذي أعلن مقاطعته الاستحقاق. كما أعلن عضو المجلس، سليمان أوسو، أن الانتخابات تجرى تحت ضغط حزب "الاتحاد الديموقراطي السوري"، وهو الحزب الكردي الأكبر في سوريا، والذي يسيطر على مناطق شمال الفرات وغربه. كذلك، نقل الكاتب التركي مراد يتكين عن مصادر أمنية تركية، قولها إن "عشائر وقبائل في شرق الفرات تقف أيضاً ضدّ إجراء الانتخابات". من جانبها، برّرت مفوضية الانتخابات التابعة لـ"الإدارة الذاتية" في شمال سوريا تأجيل الانتخابات بأنه "نتيجة طلب الأحزاب المتحالفة في شرق الفرات من أجل أن تكون أكثر ديموقراطية، ومنح الوقت الكافي للمرشّحين للقيام بدعاياتهم الانتخابية". وقالت إن "التأجيل جاء من أجل أن يُتاح للمراقبين الدوليين الفرصة للحضور والمراقبة".
وتعليقاً على ذلك، ذكرت صحيفة "يني أوزغور بوليتيكا" المؤيّدة لـ"حزب العمال الكردستاني" أن تركيا هدّدت أخيراً بالتدخُّل في حال إجراء الانتخابات، وقد بدأت بشنّ غارات جوية كثيفة ألحقت أضراراً كبيرة بمناطق في شرق الفرات. ورأت الصحيفة أن "تهديدات تركيا لشمال سوريا هي الوجه الآخر لحملات إقالة رؤساء البلديات الأكراد في جنوب تركيا"، لافتةً إلى أن "مجلس الأمن القومي التركي هدّد باجتياح شمال سوريا وشمال العراق، في حال إجراء الانتخابات"، ومذكّرةً، في هذا الإطار، بكلام إردوغان، في الـ 30 من أيار، حين أكد أنه لن يسمح بإقامة "إرهابستان" على حدود تركيا مع العراق وسوريا.
رأى مجلس الأمن القومي التركي أن انتخابات "قسد" تشكّل "تهديداً للأمن القومي لتركيا، ووحدة أراضيها"


ونقلت صحيفة "حرييات"، بدورها، عن مصادر في وزارة الدفاع التركية، قولها إن رئيس الجمهورية ووزير الدفاع، يشار غولر، قاما بـ"التحذيرات الضرورية"، وإن "ما يسمّى بانتخابات، يجب أن يلغى نهائياً، وألَّا يُكتفى بالتأجيل". كذلك، جاءت العناوين الرئيسة لمعظم الصحف المؤيدة للسلطة لتشير إلى أن الموقف التركي الحازم هو الذي "أفشل اللعبة الأميركية - الكردية". ووفق الكاتب الموالي، عبد القادر سيلفي، في "حرييات"، فإن "النظام السوري، كما إيران وروسيا، التزموا الصمت إزاء الانتخابات. أمّا الولايات المتحدة، فاكتفت ببيان خجول. فقط تركيا هي التي رفعت الصوت، والصوت الحازم لتركيا فتح الباب أمام إفشال اللعبة المشتركة للولايات المتحدة وحزب العمال الكردستاني". وأضاف سيلفي أن "الأحداث الأخيرة أَظهرت مرّة أخرى أنه لا يمكن القيام بأيّ شيء من دون موافقة تركيا". ورأى سيلفي أن المسألة الأساسية هي أن "هناك مخطّطاً أميركيّاً - كرديّاً وضعه الجنرال بريت ماكغورك، منسّق مجلس الأمن القومي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، لافتاً إلى أن "الولايات المتحدة رأت أن موعد الانتخابات غير ملائم، لكنها لم تقل إن الانتخابات غير شرعية". وتابع الكاتب: "تأجيل الانتخابات لا يزيل الخطر، لأن الخطّة هي إقامة دولة كردية في شمال سوريا على المدى البعيد، تبدأ بإقامة حكم ذاتي". والدولة الكردية في سوريا، بحسب سيلفي، "هي رأس الخيط في هذا المخطّط، فيما الرأس الثاني هو إسرائيل".
ووفق الكاتب، فإن المخطّط الذي وُضع سابقاً كان "يلحظ إقامة ممرّ كردي في شمال سوريا من حدود العراق إلى البحر المتوسط. لكن العمليات العسكرية التركية من درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، حوّلته إلى شظايا. غير أن اللعبة الإسرائيلية - الأميركية لم تنتهِ هنا، والآن يريدون زرع الفوضى في سوريا وإقامة دولة كردية تابعة لهم، وهو ما يسمّى بإسرائيل الثانية". وقال إن "تركيا تعمل بمبدأ كيسينجر، وهو أن حاملة طائرات واحدة أكثر تأثيراً من مئة وعشرة اجتماعات ديبلوماسية. وبالتالي، فإن الحاجة إلى إظهار القوّة واستخدامها هما الردّ المناسب على هذه المخطّطات".
وفي الاتجاه نفسه، رأى رئيس تحرير صحيفة "ميللييات"، أوزاي شندير، أن ما جرى من تأجيل للانتخابات الكردية، عنوانه "قوّة تركيا، وليس الولايات المتحدة ولا روسيا ولا النظام السوري. وقول واشنطن إن الظروف غير مؤاتية كلام فارغ. فلو أردات الولايات المتحدة انتخابات، لكانت جرت ولم تتأجّل". وقال إن "روسيا التي جاءت إلى سوريا لمنع التقسيم، لم تنبس ببنت شفة حول انتخابات نتيجتها تقسيم سوريا".