تمضي الولايات المتحدة الأميركية في وضع «الاستدارة نحو آسيا» موضع التنفيذ، بمواصلتها تخفيف انخراطها في أزمات المنطقة، وتحويل تركيزها صوب منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. لكنّ هذه المواجهة التي لا يتردّد البعض في وصفها بأنها «الأكثر خطورة في تاريخ البشرية» لن تكون سهلة على مُطلِقيها، بالقدْر نفسه، وربّما أكبر، مما ستكون بالنسبة إلى المستهدَفين بها. صحيح أن الصين ستجد نفسها، بعد عقود من الاستقرار الجيوسياسي الذي مكّنها من الانصراف للتنمية بفعل مقايضتها الكبرى مع الولايات المتحدة، أمام تحدّي التطويق الاستراتيجي القادم نحوها، إلّا أنها لن تكون مجرّدة من الأسلحة في معركتها تلك، وهو ما سيصعّب المهمّة على واشنطن التي ستقابِل قطباً اقتصادياً وتكنولوجياً مركزياً مصمّماً على التصدّي لمسعاها. تصميمٌ يضاعف وطأتَه نجاحُ بكين في تمديد أذرعها في غير منطقة من العالم، بما فيها مناطق النفوذ الأميركي، فيما لا تزال واشنطن متعثّرة في تشكيل «تحالف الراغبين» في مواجهة «التنّين الفتيّ»، والذين يقدّمون، إلى الآن، مصالحهم الاقتصادية على أيّ اعتبار آخر. ويفاقم المأزقَ الأميركي تخبّطٌ استراتيجي، يتجلّى في الإصرار على تكثير الأعداء، بينما أشدّ ما تحتاج إليه الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة هو حصرهم لمنع تقوية الجبهة المضادّة لها، ولعلّ سلوكها «العدواني» المتواصل تجاه روسيا يمثّل نموذجاً واضحاً ممّا تَقدّم. أمّا المفارقة الأكثر إثارة للانتباه، فهي أن إدارة جو بايدن، التي أخذت على عاتقها دحرجة رؤية باراك أوباما إلى أرض الواقع، تواجه أصعب أيّامها في الداخل، حيث لا تزال عاجزة عن تمرير ولو جزء يسير من أجندتها التي أوصلتها إلى البيت الأبيض، في وقت تتحوّل فيه الانقسامات الحزبية والمجتمعية إلى نموذج عنقودي لا يُعلم إلى أين سيؤول مستقبلاً