أساساً، استندت انطلاقة بايدن الرئاسية إلى الزخم الذي أحاط بها في ظلّ جائحة «كوفيد – 19»، عندما عمد إلى إقرار ما قيمته تريليونَي دولار للإغاثة من الوباء. بعدها، سعى إلى وضع نهاية لـ«الحرب الأبدية» الأميركية في أفغانستان، كما قدّم خططاً ضخمة لتمويل التجديد، ليس فقط على مستوى البنية التحتية المادية للبلاد، ولكن أيضاً الاجتماعية والبرامج التعليمية. ولكن هذه العوامل ذاتها التي رفعت من نسبة قبوله بين الأميركيين، تحوّلت لاحقاً إلى سببٍ وراء انخفاض شعبيته. وبالتالي، واصلت تصنيفات الموافقة على أدائه انخفاضها في اتّجاهٍ كان قد بدأ وسط زيادة الإصابات بفيروس «كورونا» في الصيف، والانسحاب الفوضوي للقوّات الأميركية من أفغانستان والذي شكّل نقطة تحوّل بين بعض الديمقراطيين والمستقلّين المحبَطين. وإلى جانب ما تَقدّم، يعزو منظّمو استطلاعات الرأي، والاستراتيجيون الديمقراطيون، بشكل خاص، موقف بايدن المهتزّ إلى ردّ الفعل العنيف الذي أظهره اليسار حيال معاملة الإدارة العدوانية للمهاجرين الهايتيين المتجمّعين على الحدود الأميركية - المكسيكية.
ليس بايدن قادراً على تحسين صورته إلى أن يتمّ تمرير مشاريع القوانين التي قامت عليها حملته الانتخابية
في المحصّلة، تَمثّلت النتيجة المباشرة لكلّ ما تقدّم، في مشكلتَين أساسيّتَين: الأولى، تراجُع معدّلات قبول بايدن التي كانت مزدهرة ذات يوم. والثانية، غرق بنود أجندته - البنية التحتية الضخمة، ومقترحات الإنفاق الاجتماعي - في الجدل داخل حزبه في مبنى «الكابيتول». وبناءً عليه، دخل الرئيس في مأزق تشريعي يشهد تفاقماً، يوماً بعد يوم، وبات من شبه المؤكّد أنه سيقف عائقاً في وجه طموحه إلى العمل على مكافحة الوباء أو تغيّر المناخ أو المساواة العرقية والاقتصادية، إضافة إلى غيرها من أولوياته المُعلنة. والأهمّ من ذلك كلّه، أن هذا الرئيس قد يفقد الدعم بين المجموعات المهمّة في قاعدته السياسية، مع تعثّر بعض وعود حملته الأساسية، خصوصاً في ظلّ اقتراب الانتخابات النصفية. وهو ما أثار مخاوف بين الديمقراطيين من أن الناخبين الذين أوصلوه إلى المنصب، قد يشعرون بحماس أقلّ للعودة إلى صناديق الاقتراع. ويضاف إلى المذكور آنفاً عنصر آخر، يتمثّل في قلق من أن يصبح الديمقراطيون الضعفاء أقلّ ارتياحاً للانحياز إلى البيت الأبيض في أكبر خططه، فيما قد لا يجد حزب الرئيس فرصة لتمرير البنود الأكثر أهمّية.
في كلّ الحالات، ليس لدى الديمقراطيين مجالٌ للخطأ، في عام 2022. ومردّ ذلك، أن الجمهوريين الذين سيحتاجون إلى قلْب خمسة مقاعد فقط في مجلس النواب لاستعادة السيطرة عليه، سيستفيدون فوراً من إعادة تقسيم الدوائر في الولايات الرئيسة، والانقسامات الحادّة داخل الحزب الديمقراطي، فضلاً عن المبدأ التاريخي القائل بأن حزب الرئيس الجديد يميل إلى التراجع في انتخابات التجديد النصفي. وبينما تبدو المعركة من أجل الأغلبية في مجلس الشيوخ أقلّ خطورة بالنسبة إلى الحزب، إلّا أن الخسارة الصافية فيها لمقعدٍ واحد، قد تكلّف الديمقراطيين سيطرتهم على هذا المجلس. ويعني ذلك، في خلفية المشهد، أن الأغلبية الهشّة في الكونغرس، تبقى السبب الرئيس للقلق الديمقراطي، وما عرقلة السيناتورَين المعتدلَين في الحزب، كيرستن سينيما وجو مانشين، مشروع القانون الهائل، بقيمة 3.5 تريليونات دولار للسياسة الاجتماعية والذي يقع في صميم أجندة بايدن، إلّا أحد أبرز تجلّياتها. علماً بأنّ تلك العرقلة قوبِلت بتعهّدٍ من المشرّعين التقدّميّين بتعطيل مشروع قانون البنية التحتية، والبالغة قيمته تريليون دولار، حتى يشهدوا اتّخاذ إجراء بشأن الحزمة الأوسع، ذات الـ3.5 تريليونات دولار. ويثير الصراع الداخلي بين الديمقراطيين خشية لدى قادة الحزب من أنّهم يهدرون ما يمكن أن يكون إحدى فرصهم الأخيرة لتمرير الأجندة التشريعية، التي خاضوا على أساسها انتخابات عام 2020.
باختصار، قد تكون كلمات غابرييل ديبنيديتي، في «New York Magazine»، أبلغ تعبيراً عن واقع الحال. هو قال إن «الرئاسات الحديثة لا تحمل أيّ شيء، أكثر من مجرّد فرصة محدودة لتمرير بعض الأولويات التشريعية، قبل أن يخترق الواقع السياسي - أو على الأقلّ القبلية الحزبية الأساسية - المشهد». ولكن في حالة بايدن، ربّما لم يُتوّقع أن يحدث ذلك، مرّة واحدة، أو بهذا الشكل الوحشي، الذي وضع تصنيف شعبيّته في مكان قريب من المكان الذي كان فيه سلفه دونالد ترامب، لفترات طويلة من رئاسته، أي في مرتبةٍ ما بين أعلى الثلاثينيات، ومنتصف الأربعينيات في المئة، اعتماداً على استطلاعات الرأي.