تنطلق معركة انتخابات زحلة من صوفر. هناك تبدأ صور المرشحين بالظهور قبل أن تتكثف في ضهر البيدر. صورة الافتتاح لأسعد نكد الذي يطلب من الزحلاويين التصويت «على ضو». بعد ذلك تكر السبحة. كل المرشحين لهم بصمتهم. الشعارات في أغلبها تبدو سطحية وبلا معنى. مجرد كلام، كي لا تكون الصورة وحيدة. جورج عقيص مرشح القوات عن المقعد الكاثوليكي يعد بأن «زحلة 2022 تشبه تاريخها وأحلامنا». ماذا يعني ذلك؟ منافسه عن المقعد نفسه ميشال ضاهر يرد: «بدنا نتغيّر لنغيّر ورح نغيّر». جيد. المنافس الثالث على المقعد، نقولا فتوش، يضع أموال العائلة على الطاولة، داعياً الناخبين إلى تفضيل فرص العمل. لا يفوته التذكير أنه «زحلاوي أباً عن جد». على الموجة نفسها يلاقيه النائب إيلي ماروني، مؤكداً أنه «صناعة لبنانية».
الحريري لأهالي سعدنايل: صوتكم لتنفيذ باريس 4!(هيثم الموسوي)

النائب الراحل إيلي سكاف حاضر في معركة ميريام سكاف للفوز بالمقعد الكاثوليكي أيضاً. صورها إلى جانبه حاضرة، وكذلك صورها تحتضن ولديها. تلك رسائل عاطفية تلقى صداها عند «الأوفياء» الذين تتوجه إليهم سكاف في شعارها الأول «أنا مش لوحدي».
«الوطن السليم في الصوت السليم»، هذا شعار انتخابي أيضاً. ولن يكون صعباً معرفة أن صاحبه هو سليم عون. للمناسبة، لا يبدو أن المرشحين عن المقعد الماروني، أي عون وماروني، قد انجرا إلى معركة الصور. فهذه معركة مكلفة والأحزاب هي أقل من يدفع في زحلة.
باريس 4 في سعدنايل
في تعلبايا، ترتاح صور المرشحين نسبياً، لتحل مكانها صورتان للرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصر الله تتكرران على كل الأعمدة، ومعهما تتداخل أعلام «حزب الله» و «المستقبل». الازدحام يزداد في سعدنايل. تلك البلدة التي دعاها عريف الحفل إلى الفرح لأن «سعدها زارها اليوم» (الأحد). لكن سعد الحريري، الذي كان محاطاً بأعضاء لائحة «زحلة للكل»، بدا أمام الحشد الكبير الذي انتظره طويلاً خالي الوفاض. لا يملك شيئاً سوى الوعود والسعي إلى شد العصب المرتخي، قبل أسبوعين من الانتخابات. ذكّر بـ7 أيار من باب دعوة أهالي البلدة إلى وأد الفتنة في 6 أيار. ليس هذا فحسب. من يريد أن يؤكد أنه لا يزال يحب رفيق الحريري عليه أن يبرهن ذلك في صناديق الاقتراع. لكن الأسوأ أن الحريري لم يتردد في إقحام مؤتمر سيدر في حملته الانتخابية، هو الذي سبق أن رفض الربط بين المؤتمر والانتخابات. وصل إلى حد القول إن استكمال إنجاز باريس لا ينقصه سوى نزول أهل البلدة للاقتراع في 6 أيار. لماذا؟ لأنه، على ما قال رئيس الحكومة المرشح، إن في برنامج باريس 4 مشاريع مخصصة للبلدة! هل في ذلك ابتزاز رسمي لأهالي البلدة في قضايا هي حق لهم؟
بمجرد الوصول إلى مستديرة كسارة ينتهي كل الصخب. يوم الأحد في زحلة ليس للانتخابات. قبل الظهر مساحة زمنية قصيرة للواجبات والزيارات والتعازي. لكن الأولوية تبقى للمشاوي والعرق ظهراً، وللقيلولة بعد الظهر. الشوارع تخلو من السيارات والمارة. عند مقاهي البردوني بعض الحركة، لكنها حركة زائرة في الغالب. لا تستعيد المدينة نشاطها إلا مع المغيب.
أبو طوني يريد أن ينتخب ميريام سكاف ونقولا فتوش معاً


الحديث عن أم المعارك ليس مبالغاً به. هي معركة بكل ما للكلمة من معنى. مريدو آل سكاف يعتبرونها معركة وجود لهم في مواجهة الأحزاب التي تريد السيطرة على قرار زحلة. العصب الزحلاوي حاضر مهما سعى البعض إلى نكرانه. صراع الأجيال حاضر أيضاً. كبار السن، في معظمهم، مع الست (ميريم سكاف). يقول أبو طوني الرجل الثمانيني، «طول عمرنا مع بيت سكاف، مع إيلي سكاف ومع أبيه وجده. لكن نقولا فتوش ابن حارتنا أيضاً». ما العمل؟ سنقسم أصواتنا، يقول. ثلاثة مرشحين من كل لائحة. ولكن يا أبو طوني هذا غير ممكن في القانون الحالي. يتفاجأ أبو طوني، مضيئاً على إشكالية ظن كثر أنه تم تخطيها. القانون الانتخابي لا يزال مجهولاً من فئة وازنة من الناس، وتحديداً من كبار السن، الذين اعتادوا القانون الأكثري على مر العقود. ولذلك، ربما يوزع أحد المرشحين ورقة تبدو طبق الأصل عن الورقة الرسمية التي يفترض أن تصدرها وزارة الداخلية وتسلم للناخبين في أقلام الاقتراع. الورقة الموزعة لم تغفل شعار وزارة الداخلية وشعار انتخابات 2018. وليكتمل التثقيف الانتخابي، ها هي إشارة x موجودة في المربع الخاص باللائحة التي ينتمي إليها المرشح، وكذلك في المربع على يمين اسمه.
يشير الإعلان الذي يتنشر في معظم أحياء زحلة إلى أن المرشح أسعد نكد سيلاقي الناخبين في حوش الزراعنة في مهرجان انتخابي يعقد عند الخامسة والنصف. لن يدخل المرشح إلى حيث ينتظره الناس إلا بالزفة. في هذا الوقت يمر المرشح ميشال ضاهر في الحي، تتبعه سيارتان من المرافقين المتأهبين. ضاهر ونكد متحالفان في لائحة واحدة (التيار الوطني الحر وتيار المستقبل)، لكنهما خصمان في معركة الأصوات التفضيلية، بحسب القانون الانتخابي.

أبو حمرا مع الكل
بدأ الناس يتوافدون إلى مقهى أبو حمرا. مقهى صغير في سوق زحلة يُنصح كل من يريد أن يعاين نبض المدينة، بزيارته. صفان من الطاولات على جانبي المكان، يشغلهما الرواد الدائمين. يخال للغريب أن كل جالس على طاولة من الطاولات متلهٍ بالحديث مع مجالسيه. لكن مع مرور الوقت لن يكون غريباً أن يعقّب فلان على حديث قاله آخر على طاولة أخرى.
صاحب المقهى هيكل (بكسر الكاف) على علاقة طيبة مع كل المرشحين. لا مصلحة له بمعاداة أحد بحكم طبيعة عمله، لكنه يؤكد أن «ما في القلب يبقى في القلب». يجزم أن الحقيقة الوحيدة هي أن المعركة غير واضحة المعالم ويكذب من يقول إنه يعرف كيف ستكون النتيجة في 6 أيار.
صاحب الدكان قبيل مقاهي البردوني له نظرياته الخاصة. يراهن على أن النتيجة ستكون صادمة، ومخالفة لكل التوقعات. يضع احتمالات مستحيلة، كأن تحصل لائحة واحدة على كل المقاعد، مراهناً على أنها ممكنة. للشاب من آل بعيني حالة تتكرر على لسان أكثر من شخص. يقول الشاب إنه عوني في كل لبنان، لكنه سكافي في زحلة. كيف ذلك؟ هو ببساطة يؤمن بالتيار الوطني الحر كتيار عابر للوطن، لكنه يؤمن أيضاً أن لزحلة خصوصيتها، التي تمر من بيت آل سكاف. أما كيف سيكون تصويته، فيرفض البوح مؤكداً في الوقت نفسه أنه لن يتخلى عن سليم عون.

أيهما أقدم زحلة أم المعلقة؟
النزعة الزحلاوية لها جذورها التاريخية التي تمتد إلى ثلاثة قرون مضت. يحتدم النقاش في محل سمعان فريجة في المعلقة، مستعيداً تاريخ المدينة، التي كان لها في مطلع القـرن الثامن عشر علم خاص بها (لونه أحمر وأخضر وفي أعلاه حربة في رأسها صليب). مجموعة من المثقفين والكتاب والصحافيين اعتادوا اللقاء في ضيافة فؤاد فريجي للتباحث في قضايا تتراوح بين إشكاليات كبرى في العالم وتفاصيل محلية لا تنتهي. أيهما أقدم المعلّقة أو زحلة؟ نقاش يميل أهل المعلّقة فيه إلى تأكيد عراقة منطقتهم، فيما يسخر الزحالنة من المقارنة. لا يصل أي نقاش إلى حد الانفعال. دائماً هنالك من يسحب الفتيل بنكتة أو مزحة. الانتخابات جزء من المشهد طبعاً. المدينة صغيرة والناس تعرف بعضها. لذلك، يصعب على المرشحين محو ذاكرة الناس. أهم المعايير هي «ماذا قدمت لزحلة؟». ذلك سؤال يستنفر أحد المؤيدين لميمو سكاف (المرشح الكاثوليكي على لائحة التيارين، ميشال سكاف، ابن عم الراحل إيلي سكاف). لا يفهم لماذا يجب أن تعقد وراثة إيلي سكاف سياسياً لزوجته حصراً. يذكّر أن ميمو هو مَن كان «صلة الوصل بين البيك وبين الناس، وهو الذي كان يقود له حملاته الانتخابية وهو حامي القاعدة السكافية». لنكد حصة من المديح أيضاً. كهرباء 24/24/365 ليست وهماً، كما في كل لبنان، بل حقيقة دامغة. لكن، تحت هذا العنوان يبدأ النقاش ولا ينتهي في المحل. هل نكد يخالف القانون لتأمين الكهرباء على مدار الساعة لأهل المنطقة أم لا؟ قلة هي من تعطي الأولوية للقانون مقابل الانجاز.
في المكاتب الانتخابية لا يختلف الوضع كثيراً عن شوارع المدينة. هدوء نهار الأحد يغلب حماوة المعركة. معظم المكاتب شبه فارغة. تلك إشارة واضحة للماكينات في زحلة. فالتحدي الفعلي سيكمن حينها في إقناع الناخبين بالنزول إلى مراكز الاقتراع قبل الظهر. أي استرخاء سيجعل الناخبين أسرى مزاجية يفرضها الغداء وكأس العرق. وذلك ليس مستحباً بالنسبة للمرشحين الزحليين.