عند العاشرة والنصف صباحاً إقتحمت "جيبات" وزير الداخلية نهاد المشنوق الزاروب المؤدي الى ثانوية راس النبع للبنين. إستنفر عناصر الأمن التابعون للمشنوق وبدأوا بالصراخ على المواطنين والمندوبين ليبتعدوا عن الطريق. دخل الوزير ليقترع لـ"جمال" وأُغلقت المدرسة أمام الناخبين "إلى حين خروج المشنوق"، وفق ما أخبرت القوى الأمنية الناس المنتظرين في الخارج. إلا أنّ رجلا خمسينيا أبى إلّا أنّ يدخل ليصوّت لـ"البيارتة" فوقع تلاسن بينه وبين عناصر قوى الأمن كانت نهايته أن مزّق الرجل لائحة "البيارتة" التي كان يحملها في يده، طالباً إعطاءه لائحة "بيروت مدينتي". تعكس هذه الحادثة مثالاً على ما يراه بعض الناس في حملة "بيروت مدينتي" كبديل (او "فشة خلق") عن "الذل" اليومي الذي يتعرضون له على يد السياسيين. لكن ما راهنت عليه الحملة منذ انطلاقها برفع نسبة الإقتراع في بيروت واستقطاب الـ 80% الذين لم يصوّتوا في الإنتخابات الأخيرة، سقط بعدما بلغت نسبة الإقتراع النهائية نحو 18 في المئة. أوساط الحملة اكتشفت أن "المقترعين في الإنتخابات البلدية هم انفسهم، ويبدو انّ أهالي بيروت لا يجدون في عملية المشاركة بالإنتخابات أي نفع أو أمل بالتغيير".
أجواء المراكز

أمس فُتحت أقلام الإقتراع في بيروت، وانطلقت "ماكينة" حملة "بيروت مدينتي" بعد ثمانية أشهر من العمل المكثّف. في الواقع، يتردد بعض الأعضاء في اطلاق تسمية "ماكينة إنتخابية" على العمل الذي قامت به الحملة على الارض جراء نقص كبير في أعداد المندوبين لديها إذ يوجد أكثر من 800 قلم اقتراع في بيروت مقابل نحو 500 مندوب للحملة فقط، وهو أمر لحظه المقترعون الذين كانوا يبلغون المتطوعين خارج المراكز عدم وجود مندوبين للحملة في الداخل.
أجواء الإنتخابات في منطقة راس النبع كانت هادئة إذ تفاعل عدد لا بأس من الناخبين مع الحملة بإيجابية. لم يخف البعض دعمه لـ "بيروت مدينتي" أو لـ"التغيير" كما سموها. يعبّر هؤلاء عن يأسهم من "الوجوه القديمة" ورغبتهم برؤية وجوه جديدة. كثيرون حملوا لائحة "بيروت مدينتي" وسألوا مندوبيها عن إمكانية "التشطيب" تخوّفاً من أن يلغي هذا الأمر صوتهم. يريدون أن يشطبوا المرشح أحمد قعبور ويستبدلوه بالوزير السابق شربل نحاس. بالمقابل، كانت قوى السلطة تشغّل ماكينتها الإنتخابية بقوّة، إذ توافدت باصات لائحة "البيارتة" إلى مركز الإقتراع، وصوّت الجميع "زي ما هيّ". تدرك إحدى الناخبات أنّ حظوظ الربح قليلة لبيروت مدينتي، تقول "ليس لدينا فرصة قوية للفوز لكنني صوّتت ليعلم الفريق الآخر أنّ هناك من ينافسه، يجب أن يعلموا أن هناك أُناسا غيرهم في البلد".
في خندق الغميق، يتجمّع عدد من شبان المنطقة حاملين لوائح، لا يناقشون مسألة التصويت للحملة "فهذا أمر محسوم"، أمّا النقاش القائم فيتعلّق بلائحة المخاتير. يقول أحدهم إنه "ينتمي لحزب (لا يسمّيه) لكنه سيصوّت لبيروت مدينتي لأنهم طرحوا برنامجاً جيداً". يتحفّظ الشاب على ورود إسم أحمد قعبور في اللائحة، "هالإسم بيخليك تخاف، لشو حاطينو معن؟".
تنهمك إحدى مندوبات لائحة البيارتة في توزيع "لائحة الشيخ سعد" لانها "من زمان معو". تقطن هذه السيدة في منطقة الباشورة، وتشكو من إيجار بيتها المرتفع، تقول إنها تدفع "مليون ليرة شهرياً". لم تطّلع السيدة على برنامج "بيروت مدينتي" الذي يتحدّث عن تأمين مساكن شعبية، لكنها تعتبره مسبقاً "مجرّد حكي ووعود فارغة". نسألها "من هو جمال عيتاني؟"، فتجيب "مرشّح". حتّى عندما علمت بأنه مدير شركة "سوليدير" التي تزحف تدريجياً نحو منطقتها، لم يعنِها الأمر شيئاً.

نموذج "بيروت مدينتي"

طوال الفترة الماضية قدّمت "بيروت مدينتي" نموذجاً جديداً للإنتخابات البلدية، فطرحت برنامجاً إنتخابياً يهتم بشؤون المدينة، نظّمت مساحات نقاش مع الناس في الأماكن العامة وأعلنت لائحة قوامها المناصفة بين الرجل والمرأة وخصصت مقعداً لذوي الإحتياجات الخاصة. في يوم المعركة أرادت الحملة أن تكمل "النموذج"، لاقتناع ضمني لدى كثيرين من أعضائها ومرشحيها بأن الربح صعب في مواجهة لائحة السلطة، إلّا أنّ "الفوز الأكبر لهم يكون عبر تقديم نموذج شفاف ونزيه وديمقراطي للحملة يمثّل بديلاً عن النموذج الزبائني الذي تنتهجه حملات السلطة". حرصت الحملة على الإلتزام "بقانون الإنتخابات الصادر عام 2008 والمراسيم والقوانين الصادرة عن هيئة التشريع الإنتخابي التي لم تُطبّق"، فالتزمت بعدم توزيع أي لوائح داخل مراكز الاقتراع وأزالت الدعاية الإنتخابية، كما شرحت لمندوبيها كيفية توزّعهم خارج المراكز بشكل غير مخالف، طالبةً منهم عدم الضغط على الناس وإرشادهم حول كيفية الإقتراع ووضع الظرف في الصندوق المخصص له. كذلك كان متطوعو الحملة ومندوبيها مراقِبون أيضاً إذ قاموا بتوثيق المخالفات التي حصلت داخل وخارج أقلام الإقتراع والتبليغ عنها لوزارة الداخلية و"الجمعية اللبنانية من اجل ديمقراطية الانتخابات".
قُسّم عمل الحملة الى ثلاثة مستويات: فهناك أولاً المركز الرئيسي المقسّم إلى غرف ولجان قانونية وإعلامية ولوجستية، يليه 7 مراكز للحملة في زقاق البلاط، الرميل، الاشرفية، راس بيروت، المزرعة، الباشورة والمصيطبة تنسّق مع مكاتب الحملة المنتشرة ضمن مناطقها وتتابع حاجات المندوبين والتوجّه العام للناس كما تحذّر من اللوائح "الملغومة" واضعةً لافتة أمام المراكز فيها اللائحة الصحيحة بعدما أبلغ الكثيرون عن "اختفاء" لائحة "بيروت مدينتي" من داخل الأقلام.
في المركز الرئيسي في بدارو، ينكبّ أعضاء الحملة على استقبال الإتصالات الواردة على الخط الساخن وتحويلها الى لجنة المحامين التي تتولّى توثيق الإنتهاكات والمخالفات الحاصلة. أمّا اللجنة الإعلامية، فتقوم بمهمة تحديد أوقات نشر البيانات وإقامة المؤتمرات والتواصل مع الإعلام، لجنة الدعم تتابع حاجات المندوبين اللوجستية، ولجنة اخرى مخصصة لمتابعة صفحة الحملة على مواقع التواصل الإجتماعي. يصر الجميع هناك على تأكيد تفاؤلهم بالنتيجة أمام الإعلام، إلا أنّ الأحاديث الجانبية تفضح واقعاً لا يمكن الهروب منه وهو أنّ الحملة فشلت في استقطاب الناس الذين لم ينفكّوا عن أحزابهم وطوائفهم، وأنها بالغت في التعويل على "ضجة" مواقع التواصل الاجتماعي. ولعلّ المؤشر الاساسي على هذا الأمر هو أنّها وجدت صعوبة في إيجاد مندوبين ثابتين لها من داخل بيروت. ولهذا السبب، كان لافتاً العدد الكبير من المتطوعين العاملين مع "بيروت مدينتي" المنتشرين خارج مراكز الاقتراع، الذين هم من خارج بيروت، وإما لا يحق لهم التصويت بسبب صغر سنّهم، في مقابل النقص الذي عانته الحملة في عدد المندوبين "البيارتة" داخل الأقلام.