قرّرت «المحكمة العليا الإسرائيلية»، إلزام الحكومة التي يقودها بنيامين نتيناهو، ببدء تجنيد «الحريديين» عقب انتهاء سريان القانون الذي يعفي شبّانهم من الخدمة العسكرية الإلزامية في صفوف جيش الاحتلال، مُقرّةً وقف تحويل الميزانيات إلى المعاهد والمدارس التوراتية الدينية. والقرار الذي ينضم إلى الأزمات اللانهائية للحكومة، من شأنه أن يضعضع ائتلاف «معكسر المؤمنين»، في وقتٍ تتصاعد فيه الاحتجاجات المطالبة بتبكير موعد الانتخابات، ورحيل «حكومة الخراب» التي أثبتت فشلها في إدارة الحرب، وسط إعلان رئيس اتحاد النقابات العمالية (منظمة الهستدروت)، أرنون بار ديفيد، في خطاب له أمام مؤتمر «هرتسليا» الـ21، والذي انعقد في «جامعة رايخمن»، أنه لن يقوم عبثاً بتعطيل الاقتصاد، لكنه سينتظر الحكومة ليرى كيف ستطبق قرار «العليا»، وبناءً عليه يتخذ القرار بشأن شلّ الاقتصاد من عدمه.وقضت «العليا»، بإجماع قضاتها، أنه «في الوقت الحالي، لا يوجد إطار قانوني يسمح بالتمييز بين طلاب المدارس الدينية وغيرهم من الذين عليهم الامتثال للخدمة العسكرية. وبناءً على ذلك، لا تملك الدولة صلاحية إلغاء تجنيدهم بشكل كامل، ويجب عليها التصرف وفقاً لأحكام قانون الخدمة الأمنية لعام 1986». وفي تفاصيل القرار الصادر عن هيئة مؤلفة من تسعة قضاة يرأسها القائم بأعمال رئيس «العليا»، القاضي عوزي فوغلمان، أنه «في ظل غياب إطار دستوري للإعفاء من التجنيد، لا يمكن الاستمرار في تحويل أموال الدعم إلى المدارس والمعاهد الدينية للطلاب الذين لم يحصلوا على إعفاء أو لم يتم تأجيل خدمتهم العسكرية»
وفي السياق نفسه، رأى القضاة أن «الإشكالية في موقف الحكومة تزداد حدة في ظل الحرب في غزة والجبهة الشمالية، المتواصلة منذ أكثر من ثمانية أشهر»، مضيفين أنه وفقاً «للموقف الحالي للأجهزة الأمنية فإن هناك حاجة ملحّة وعاجلة إلى تجنيد قوات إضافية»، الأمر الذي يتعارض مع سعي الائتلاف إلى سن قانون لضمان مواصلة تمويل المعاهد الدينية وإعفاء «الحريديين» من الخدمة العسكرية. واعتبر القضاة أنه «في خضم الحرب الضروس، فإن الضغوط الناجمة عن عدم المساواة في توزيع العبء تصبح أكثر حدة من أي وقت مضى، وسط حاجة ملحة إلى تعزيز حل مستدام لهذه القضية». ولفتوا إلى أن الحكومة، وعبر سعيها إلى مواصلة إعفاء «الحريديين»، أضرت بـ«سلطة القانون».
قضت «العليا»، بإجماع قضاتها، أنه «في الوقت الحالي، لا يوجد إطار قانوني يسمح بالتمييز بين طلاب المدارس الدينية وغيرهم»


وأثار القرار سخط الأحزاب «الحريدية»؛ إذ رأى وزير البناء والإسكان ورئيس «يهوداة هتوراه»، يتسحاق جولدكنوبيف، أن «القرار متوقع، ومحزن ومحبط جداً. دولة إسرائيل قامت لكي تكون بيتاً للشعب اليهودي الذي توراته هي حجر بقائه. التوراة المقدسة ستنتصر». أمّا زميله في الحزب نفسه، وزير «شؤون القدس وتراث إسرائيل»، مئير بروش، فرأى أن «حكم العليا ينشئ في الواقع دولتين اثنتين. واحدة، هي الدولة التي تدار كما هي الآن. والأخرى هي التي سيستمر فيها أبناء المعاهد الدينية في دراسة التوراة كما دأبوا في الدولة التي أعلنها بن غوريون. لا يوجد قوّة في العالم بمقدورها إجبار شخص روحه معلّقة بدراسة التوراة على ألا يفعل ذلك». أيضاً، رأى رئيس حزب «شاس» الحريدي، أريه درعي، أن «الشعب اليهودي صمد في وجه الملاحقة والحروب والاضطهاد، فقط بفضل الحفاظ على وحدته وتوراته»، فالتوارة بحسبه هي «سلاحنا السري لمواجهة جميع الأعداء، كما وعد خالق العالم». وأضاف أنه «إلى جانب مقاتلينا الأعزاء الذين يضحون بأنفسهم مقابل الأعداء، سنواصل الحفاظ على دراسة التوراة ونواصل صنع المعجزات (عبر هذه الدراسة) في المعركة»، متابعاً أن «من حاول في الماضي قطع الشعب اليهودي عن التوارة فشل فشلاً ذريعاً».
في المقابل، رأى رئيس لجنة الخارجية والأمن في «الكنيست»، عضو «الليكود» يولي أدلشتاين، أن على الدولة تجنيد أبناء المدارس التوراتية. وقال في مؤتمر «هرتلسيا» إن «القول إنه غداً سنجنّد الجميع، هو عبارة عن يسرابلوف (تعبير من السلانغ الإسرائيلي يُقصد به التحايل)». ووصف قرار «العليا» بأنه «لحظة تاريخية»، مستدركاً بأنه «لا يوجد لدي 61 إصبعاً في الكنيست (61 عضواً للتصويت لمصلحة قرار العليا)»، متابعاً «(أنني) لن أقوم بصفقات سياسية. على كل عضو أن يصوّت بناءً لضميره، وليس بناءً لمصالح الكتل أو الائتلاف». ومن جهته، رأى رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، أن «هناك قضاة في القدس»، مضيفاً، في منشور على «إكس»، أنه «بعد سنوات من المراوحة ومحاولات التوصل إلى اتفاقيات، قررت العليا قراراً عادلاً بالنسبة إلى الجمهور الذي يتحمل العبء. في السنة التي فقدنا فيها لواءً كاملاً من الجنود الذين سقطوا أو أصيبوا في المعارك الصعبة، وخدم الاحتياطيون لأكثر من 200 يوم بشكل متواصل، لا يوجد إثبات أكثر عدلاً على أن الجيش يحتاج مزيداً من القوى البشرية».
أما منظمة «أخوة السلاح»، وهي إحدى منظمات الاحتجاج والتي كانت أيضاً بين مقدمي الاستئناف ضد الحكومة، فيبدو أن القرار أتى موافقاً لـ«خاطرها»؛ إذ قالت إنه «بعد 76 عاماً من التحايل، قررت العليا أننا جميعاً إسرائيليون، أننا جميعاً متساوون أمام القانون، وأنه علينا جميعاً أن نخدم. أمام أعضاء الكنيست المُتخلين الـ63، والمنفصلين (عن الواقع)، الذين صوّتوا لمصلحة التهرب من الخدمة الإلزامية، وضد جنود الجيش، قررت العليا ما هو عادل». ودعت المنظمة وزير الأمن، يوآف غالانت، إلى تطبيق أوامر التجنيد وإصدارها. ورأى رئيس حزب «العمل»، يائير غولان، بدوره، أن «القرار الذي كان واضحاً لكل مواطن يخدم في دولة إسرائيل كان مفهوماً أيضاً بالإجماع لكل تركيبة القضاة في المحكمة العليا. عندما لا تكون هناك حكومة يكون هناك عدل. إن واجب الخدمة الأمنية والمدنية يجب أن يسري على كل شاب وشابة إسرائيليين، من دون تفرقة في الدين والعرق والجنس. سنواصل النضال من أجل طابع الدولة الديموقراطي والمتساوي لإسرائيل».