ولكن، لماذا المستشفيات؟ يزعم جيش الاحتلال دائماً بأن فصائل المقاومة تتّخذ من المؤسسات الصحية مراكز للقيادة والسيطرة، وأنها كانت تحوي غرفاً محصّنة ووصلات أنفاق تخفي فيها المقاومة الجنود الأسرى. غير أن تلك المزاعم سقطت خلال الاقتحام الأول لمستشفى "الشفاء"، وحصار "مجمع ناصر الطبي" و"كمال عدوان" و"العودة" في شمال القطاع، حيث لم يعثر جيش العدو في أيّ من تلك المستشفيات على أدلة عسكرية تثبت مزاعمه. وإلى جانب ما تقدّم، تفيد شهادات بعض الممرّضين الذين أُفرج عنهم من سجون الاحتلال، بأن الجيش الإسرائيلي يطمح، من وراء اعتقال أطباء العظام وفنيّي الأشعة والطوارئ، إلى الحصول على معلومات تتعلّق بالجنود والمستوطنين الأسرى، الذين يظنّ أنهم قد أصيبوا خلال عملية "طوفان الأقصى"، وجرى علاجهم، أو أولئك الذين أصيبوا نتيجة القصف الجوي الإسرائيلي. أيضاً، يحاول جيش الاحتلال الحصول على معلومات عن مصير عناصر وقادة المقاومة الذين أصيبوا أو استشهدوا خلال عمليات الاغتيال أو القصف المركّز الذي استهدفهم.
اعتقال واستشهاد المئات من الكوادر الطبية، مسّا بشكل حادّ في قدرة المؤسسات الصحية على أداء مهامّها
أمّا الهدف الحيوي الأهمّ، فهو مرتبط بتحويل التجمّعات السكانية في شمال القطاع تحديداً، إلى مناطق منزوعة الأمل، وغير صالحة للحياة، حيث يساهم تدمير المنظومة الصحية في انعدام سبل العلاج، ما يدفع السكان إلى النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه. ومع أن صمود 700 ألف من سكان الشمال في منازلهم، أسهم في تقويض المخطّط، إلا أن اعتقال واستشهاد المئات من الكوادر الطبية، مسّا بشكل حاد بقدرة المؤسسات الصحية على أداء مهامّها. وفي هذا الإطار، يقول الدكتور محمد صالحة، وهو القائم بأعمال مدير مستشفى "العودة"، إن ثمة عجزاً كبيراً في أطباء العظام والأعصاب والجراحة والتخدير. ويتابع في حديثه إلى "الأخبار": "نعمل منذ أشهر بطبيب عظام واحد، وبجرّاح واحد يعمل لمدة 12 ساعة يومياً. نعاني من عجز حادّ في الكوادر، تسبّب بحرمان الآلاف من الجرحى والمرضى على قوائم الانتظار، من الحصول على حقّهم في العلاج والعمليات الجراحية".