لا تغيير فعليّاً في سياقات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ولا في نتائجها: فلا صاحب القرار السياسي يريد إنهاءها ما لم يحقّق «انتصاره المطلَق»، ولا العسكر قادرون على تحقيق مثل هذا الانتصار. وفي هذا الوقت، يتفاقم المأزق الإسرائيلي على أكثر من مستوى، إذ بدأت الإنجازات التكتيكية للحرب تتآكل، فيما يتأكد، يوماً بعد آخر، العجز عن تحقيق إنجاز إستراتيجي. وإذ يُقال إن رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، يريد الحرب لذاتها وإنْ راوحت مكانها، في انتظار وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض - وهو ما لمّح إليه كبار مستشاريه أخيراً -، إلا أن المعنى ليس في تغيير رأس الهرم السياسي في واشنطن: فلا الرئيس المقبل - حتى في حال كان ترامب - قادر على تغيير ميزان القوى، ولا إسرائيل ستكون قادرة - بمعزل عن هوية ذلك الرئيس - على تحقيق أهداف حربها.لكن ثمّة ما يشاع أيضاً عن أن الحديث عن انتظار ترامب، يمثّل في جانب منه تهديداً للجانب الفلسطيني وللمقاومة في غزة، بأن الحرب ستتواصل لأشهر طويلة مقبلة، في ما يُعدّ نوعاً من الردّ على مَن يراهن على إمكانية تعب تل أبيب عسكريّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً، رغم أن هناك شكوكاً كبيرة جداً في أنها تستطيع مواصلة الحرب لأشهر طويلة مقبلة. كذلك، يمثّل هذا الانتظار تهديداً لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، وإنْ كان الأخير حريصاً على ألا يؤذي إسرائيل وألا يضرّ بمصالحها، وهو ما يستغلّه رئيس حكومتها جيّداً، لدفع مصالحه الخاصّة قُدماً؛ إذ إن ما من شأنه أن يفرمل نتنياهو ويضغط عليه فعلياً، ليس إزعاجه شخصيّاً، بل الإضرار بالكيان ومصالحه، وهو ما لا تريده إدارة بايدن ولا تقوى عليه.
«إسرائيل، في وضعها الحالي، لا تمتلك القدرة على الصمود لثمانية أشهر أخرى»


في الوقت نفسه، إن حديث مستشاري نتنياهو عن انتظار ترامب، يُعدّ إقراراً غير مباشر بأن الانتصار في الحرب، كما يروَّج له: إنهاء حكم «حماس» والحركة نفسها، وكذلك إعادة الأسرى الإسرائيليين عبر الخيار العسكري، لن يتحقَّق إلا بعد أشهر طويلة. وهو يمثل إقراراً أيضاً بأن العملية العسكرية في رفح، والتي تركّزت في الوعي الجمعي الإسرائيلي على أنها إشارة النصر، لن تكون مغايرة للمراحل التي سبقتها: العجز عن تحقيق أهداف الحرب. وهكذا، إذا قرّرت إسرائيل مواصلة العملية العسكرية هناك، فستكون النتيجة تهديداً لها، أكثر من كونها فرصة؛ فالضغط العسكري سينتهي من الناحية العملية ومن ناحية التأثير بعد هذه المعركة، فيما ستبقى إسرائيل بلا روافع ميدانية تهدّد بها المقاومة الفلسطينية.
ووفقاً للرئيس السابق لشعبة العمليات في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، اللواء يسرائيل زيف، فإن «طموح نتنياهو للبقاء، بطريقة ما، لسبعة أشهر أخرى في الوضع الحالي، ومن دون أيّ قرار في شأن نهاية الحرب، في انتظار وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض (دونالد ترامب)، هو طموح منفصل تماماً عن واقع خطورة تدهور الوضع. فحتى ذلك الحين، يرجّح أن تؤدي هذه الخطة الخيالية إلى انهيار إستراتيجي. فإسرائيل، في وضعها الحالي، لا تمتلك القدرة على الصمود لثمانية أشهر أخرى، في ظلّ الوضع السيئ الذي يتنفّس فيه الجيش، وفي ظلّ التدهور الاقتصادي والانهيار السياسي الذي يعيشه» الكيان.