بات أكيداً أن الجمهور المغربي في مكان، وحكامه في مكان آخر؛ إذ يرفض المغاربة وجود إسرائيل، ويدينون حربها على قطاع غزة، لكن الحرب، عملياً، مرحّب بها لدى حكام الرباط. وإذا كانت دول أوروبية ترفض مرور الأسلحة والوسائل القتالية التي تصل إلى الكيان عبر أراضيها، كما فعلت إسبانيا مثلاً، فلا يزال في إمكان السفن التي تحمل تلك الشحنات أن ترسو في الموانئ المغربية بقرار رسمي - لا يمكن أن يمرّ من دون موافقة الملك محمد السادس -، قبل أن تتوجّه إلى فلسطين المحتلة لتكون جزءاً من الآلة العسكرية للعدو، والتي تقتل الفلسطينيين، أطفالاً ونساء وشيوخاً. ووفقاً للإعلام الإسرائيلي (صحيفة «غلوبس»)، رست سفينة الإنزال الجديدة التي تلقّاها الجيش الإسرائيلي من الولايات المتحدة، في ميناء طنجة المغربي، للتزود بالإمدادات والمؤن والوقود، بعد رحلة طويلة من ميناء باسكاغولا في ولاية مسيسيبي الأميركية، قبل أن تتابع طريقها إلى القاعدة البحرية في حيفا، والتي وصلتها الأحد الماضي، وباتت جاهزة للتدخّل في الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين.وتُعد سفينة الإنزال الجديدة، المسماة «كوميوت»، الثانية التي تصل إلى إسرائيل، بعد أن تلقّت البحرية الإسرائيلية سفينة إنزال أخرى في أيلول الماضي، كانت كذلك قد حلت ضيفة على ميناء طنجة المغربي، قبل أن تصل إلى القاعدة البحرية في حيفا. وقال قائد ذراع البحر في جيش العدو، اللواء ديفيد ساعر، مرحّباً بالسفينة الجديدة: «اليوم، وفي الوقت نفسه الذي يشهد قتالاً عنيفاً لجنود الجيش الإسرائيلي في مختلف القطاعات، تلقّت البحرية سفينة ذات أهمية إستراتيجية لدولة إسرائيل». وسفينتا الإنزال المذكورتان، مخصصتان لعمليات الإنزال السريع على السواحل، بما يشمل سواحل بعيدة عن فلسطين المحتلة. ويبلغ طول الواحدة منهما 95 متراً، وعرضها 20 متراً بينما يزيد وزنها عن 2500 طن.
إلا أنه وخلافاً للحكام المغاربة، أعلن وزير النقل الإسباني، أوسكار فوينتي، قبل شهر تقريباً، أن السفينة «ماريان دانيكا» التي كانت تحمل شحنة أسلحة إلى إسرائيل، طلبت أن ترسو في ميناء كارتاخينا الإسباني، لكن مدريد رفضت الطلب. وذكر الإعلام الإسباني، في حينه، أن السفينة التي ترفع العلم الدنماركي، غادرت ميناء تشيناي في الهند في 8 نيسان الجاري، وهي تحمل 27 طناً من المتفجرات إلى إسرائيل، قبل أن تلتفّ حول أفريقيا لتدخل إلى البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق، وذلك بسبب الخشية من استهدافها من قبل حركة «أنصار الله» التي تهدّد السفن التي تمر بالبحر الأحمر متّجهة إلى إسرائيل. ويؤدي اضطرار السفن إلى الالتفاف حول القارة السمراء، إلى زيادة مدة الرحلة أياماً طويلة، وبالتالي إلى الحاجة إلى التوقف للتزود بالمؤن والإمدادات والوقود، وهو ما يقف خلف طلب الرسو في دول مثل إسبانيا والمغرب.
وتطرّق الإعلام الإسرائيلي إلى اختلاف نظرة المغاربة عن حكامهم تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية. ووفقاً لصحيفة «غلوبس»، ففي نهاية الأسبوع الماضي فقط، «شهدت 48 مدينة وبلدة في المغرب 116 مسيرة، كجزء من احتجاج واسع النطاق مناهض لإسرائيل»، تقف خلفه «الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة»، والتي يحمل اسمها دلالة إسلامية شاملة. وقالت الهيئة التي تلقّت تجاوباً واسعاً من الشارع المغربي، إنها نظمت «الوقفات الاحتجاجية والمسيرات، لكي تعبّر عن تضامن الشعب المغربي مع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية».
كما يمكن التعرّف إلى صورة إسرائيل في عيون الشارع المغربي عبر تقرير لشبكة «البارومتر العربي» صدر أخيراً، ونقل خلاصته «معهد أبحاث الأمن القومي» في تل أبيب، يشير إلى أن تأييد المغاربة للتطبيع بين إسرائيل والدول العربية انخفض إلى أقل من 13%، فيما يُعرِّف غالبية المغاربة الحرب في قطاع غزة، على أنها مذبحة أو إبادة جماعية للفلسطينيين، ولا يرون أنها حرب بين طرفين». في المقابل، تتعاظم العلاقات الرسمية المغربية - الإسرائيلية، والتي شهدت زخماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، خاصة مع عمليات الشراء الضخمة للأسلحة الإسرائيلية. إذ تشير بيانات «معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام»، إلى وجود «ثقل مغربي» في مبيعات إسرائيل من الأسلحة، حيث تُعد الأخيرة المصدر الثالث لواردات المغرب من الوسائل القتالية والسلاح.