رام الله | لا تبدي السلطة الفلسطينية أيّ اكتراث إزاء تزايد التحذيرات الدولية، وحتى تلك الصادرة عن الأوساط الأمنية الإسرائيلية، من مغبّة انهيارها قريباً، في ظلّ توجّه حكومة بنيامين نتنياهو إلى فرض جملة من العقوبات ضدّها. ويبدو أن رام الله لا تزال تراهن على أهمية دورها في «حفظ الاستقرار» في الضفة الغربية، لدفع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، إلى الضغط على إسرائيل لمنع انهيارها. ومع ذلك، تَظهر السلطة أكثر عجزاً من أيّ وقت مضى، فيما لا تبدي أيّ استعجال لاتّخاذ خطوات لمعالجة سلسلة إخفاقاتها والضغوط التي تتعرّض لها من جانب حكومة الاحتلال المتطرّفة. فحتى إذا نجت من فخّ العقوبات المالية التي تفرضها إسرائيل عليها، فإن المشروع الاستيطاني الذي تشير كل الدلائل إلى أنه يمرّ بفترة ازدهار وتوسُّع، من شأنه أن يزيد تحجيمها.ولا يظهر أن أحداً من «أصحاب المصلحة» يعمل من أجل تغيير الظروف التي قد تقود إلى تلك النتيجة، فيما توسّع حكومة نتنياهو بحث الخطوات التي ستتّخذها ضد سلطة رام الله، سواء على صعيد فرض عقوبات مالية عليها تتمثّل في اقتطاع مزيد من أموال ضرائب المقاصّة، أو لجهة تشريع آلاف الوحدات الاستيطانية في مستوطنات الضفة. وفي هذا الإطار، تصوّت حكومة الاحتلال، الأسبوع المقبل، على إجراءات «عقابية» جديدة تستهدف السلطة، بعدما بحث «المجلس السياسي والأمني المصغَّر»، الأحد، التصدي لـ»أنشطة السلطة ضدّ إسرائيل» في المحافل الدولية، وتعزيز الاستيطان في الضفة رداً على اعتراف بعض الدول بدولة فلسطينية. وإذ كان يُفترض أن يتم التصويت على هذه الخطوات في الجلسة السابقة للحكومة الموسّعة، إلا أن وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، والمستشارة القانونية للحكومة، طلَبَا مهلة زمنية أخرى لتقديم ملاحظاتهما على بعضها. ويقف وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، خلف المقترحات المشار إليها، معزّزاً بذلك نهجاً كان بدأه منذ فترة طويلة على طريق إضعاف السلطة الفلسطينية وتفكيكها، وتمثلت آخر حلقاته في السعي لإقامة أربع مستوطنات جديدة في الضفة، يُنتظر التصويت عليها أيضاً، بناءً على تعهُّد نتنياهو، في الجلسة المقبلة.
تَظهر السلطة أكثر عجزاً من أيّ وقت مضى، فيما لا تبدي أيّ استعجال لاتّخاذ خطوات لمعالجة سلسلة إخفاقاتها


وفي الوقت الذي ازدادت فيه تحذيرات الأوساط الأمنية الإسرائيلية من مغبّة انهيار السلطة، وتأثير ذلك على الأوضاع الأمنية في الضفة التي ستكون مرشّحة للانفجار، دخلت أطراف دولية على خطّ التحذير، وآخرها وزير الخارجية النرويجي، أسبن بارث، الذي حذّر من تحقق ذلك الاحتمال خلال الأشهر المقبلة، مشيراً إلى «نقص التمويل واستمرار العنف، بالإضافة إلى عدم السماح لنصف مليون فلسطيني بالعمل في إسرائيل»، مضيفاً: «الوضع بالغ الخطورة. تُحذّرنا السلطة الفلسطينية التي نعمل معها بشكل وثيق من أنها ربّما تنهار هذا الصيف... إذا انهارت، فقد ينتهي بنا الأمر إلى وجود غزة أخرى، وهو ما سيكون مروّعاً للجميع، بمن في ذلك شعب إسرائيل».
وسبق أن حذّر «البنك الدولي» من مواجهة السلطة الفلسطينية مخاطر انهيار مالي مع نضوب الإيرادات، وهو ما يتوافق مع تحذيرات سابقة مماثلة وجّهتها الإدارة الأميركية إلى إسرائيل، ومع تقديرات أمنية أعدّها «الشاباك» للقيادة السياسية، تفيد أيضاً بأن السلطة «على وشك الانهيار»، في ما قد يؤدي إلى عدم قدرتها على سداد ديونها، بما في ذلك رواتب موظفيها والخدمات المقدّمة لمواطنيها»، ويمكن أن يخلق فوضى على الأرض، ويقوِّض الاستقرار القائم حالياً، سواء أكان أمنياً أم على مستوى النظام المدني.
وكان سموتريتش قد قرّر، الشهر الماضي، عدم تحويل أموال المقاصّة إلى السلطة حتى إشعار آخر، كما عدم تمديد التعويض للبنوك الإسرائيلية التي لديها معاملات مع بنوك فلسطينية نهاية الشهر المقبل، وذلك ردّاً على قرارات النرويج وإسبانيا وإيرلندا الاعتراف بدولة فلسطين. لا بل إن الوزير لم ينتظر ما ستقرّره الحكومة ونفّذ عمليّاً جزءاً مهمّاً من قراراته، عبر احتجازه هذا الشهر أموال المقاصّة. وتقول السلطة إن إجمالي الأموال المحتجَزة لدى إسرائيل وصل إلى 6 مليارات شيكل (1.6 مليار دولار)، ما أدى إلى وضع مالي صعب جعلها عاجزة عن دفع رواتب موظفيها كاملةً خلال الأشهر الستة الماضية، في وقت تشير فيه بيانات وزارة المالية الفلسطينية إلى أن الديون المتراكمة على السلطة تجاوزت الـ11 مليار دولار.
وبعيداً من مسألة الانهيار المالي، والذي يُعدّ أحد أبرز المؤشرات إلى احتضار السلطة، فإن تصاعد اعتداءات المستوطنين، إلى جانب توسعة المشروع الاستيطاني، يفرضان نفسيهما كأمر واقع بوجه سلطة رام الله، حتى في حال نجحت الجهود الدولية في إنقاذها ماليّاً. وكان وزير مالية الاحتلال طالب بعقد اجتماع فوري لـ»مجلس التخطيط الاستيطاني» في «يهودا والسامرة» (الضفة الغربية) للمصادقة على عشرة آلاف وحدة استيطانية في المستوطنات لتكون جاهزة للتقدّم المهني، بما يشمل المنطقة E1، وإقامة مستوطنة مقابل كل دولة تعترف بالدولة الفلسطينية، وإعداد خطّة استراتيجية لتخطيط ثلاث مستوطنات، وتطبيق ما نصّ عليه «قانون إلغاء فك الارتباط»، ما يعني عودة الاستيطان إلى شمال الضفة الغربية.