خيّمت العملية التي نفّذتها قوات العدو الإسرائيلي، أول من أمس، في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، ونجحت على إثرها في استعادة 4 أسرى إسرائيليين، مقابل مقتل ضابط في وحدة «اليمام» الخاصة التي قادت تنفيذ العملية، واستشهاد أكثر من 200 فلسطيني، على الأجواء في الكيان الإسرائيلي. وعلى الرغم من حفلة «العلاقات العامة» التي دشّنها رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، عقب العملية، والتي أكّد خلالها على صوابية خيار حكومته بالمضي في «الضغط العسكري» لاستعادة الأسرى وتحقيق أهداف الحرب، إلا أن ذلك لم يمنع من وقوع التحوّل السياسي الذي كان منتظَراً داخل الكيان.وعلى إثر العملية، أعلن مكتب زعيم حزب «معسكر الدولة»، بني غانتس، تأجيل مؤتمر صحافي للأخير كان ينوي عقده مساء الأول من أمس، من أجل إعلان استقالته من «كابينت الحرب»، الذي دخله مع زميله الوزير غادي آيزنكوت، عقب هجوم «طوفان الأقصى». ومع إعلان تأجيل الخطاب، سرت تحليلات في إسرائيل حول نية الرجل العزوف عن استقالته، إلا أنه لم تكد ساعات قليلة تمرّ بعد ذلك، حتى تبيّن أن غانتس أجّل موعد الخطاب إلى مساء أمس فقط، مع اعتقاد بأنه ينوي الإعلان عن استقالته خلاله، لأن العملية لم تغيّر شيئاً في ما يتعلّق بالمشاكل والأزمات التي تحدّث عنها غانتس حين تهديده بالاستقالة، وطالب حينها بإيجاد حلول لها. وفي خلال الساعات الفاصلة ما بين الموقفين، نقلت صحيفة «معاريف» عن نتنياهو قوله إن «غانتس يريد الاستقالة من الحكومة في خضمّ الحرب»، وإنه «حان الوقت للتوقّف عن هذه السياسة التافهة». كما نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عنه قوله (إننا) «نحن بحاجة إلى ضمان بقاء الجميع في الحكومة، فالوضع صعب ومعقّد ويتطلّب توحيد القوى»، ليردّ أعضاء في حزب غانتس على ما تقدّم بالقول إن «الوحدة ليست كلمات، وغانتس ذهب إلى الوحدة منذ 7 تشرين الأول».
وبعد طول أخذ ورد، أعلن غانتس، أمس، رسمياً، استقالته من الحكومة، قائلاً إن قراره «معقّد ومؤلم»، مشيراً إلى أن «نتنياهو يمنعنا من التقدم نحو الانتصار الحقيقي، لذلك نعلن عن انسحابنا من الحكومة، وندعو نتنياهو إلى تحديد موعد متفق عليه للانتخابات». وأضاف، في كلام موجّه إلى عائلات الأسرى: «فشلنا في النتيجة. لم ننجح حتى الآن في إعادة الكثيرين (الأسرى) إلى الوطن (....) وأنا أؤيد الصفقة التي عُرضت على كابينت الحرب (لإعادتهم)». وتأتي استقالة غانتس، قبل يوم واحد (اليوم) من طلب التصويت في «الكنيست» الإسرائيلي على قانون التجنيد الجديد، والذي يجدّد إعفاء الحريديين من التجنيد في الجيش الإسرائيلي، وهو ما يعارضه غانتس وحزبه بشدّة، في حين عُقدت جلسة «كابينت الحرب»، مساء أمس، من دون حضور غانتس وآيزنكوت. كما تأتي الخطوة قبل يوم من وصول وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي من المرتقب أن يلتقي اليوم، غانتس ونتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، حسبما نقلت «أكسيوس» عن مصادر.
من جهتها، اعتبرت «هيئة عائلات الأسرى» الإسرائيليين أن «انسحاب غانتس لا يغيّر الواقع وعلى نتنياهو مسؤولية إقرار الصفقة وإعادة المختطفين»، في حين سارع وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، إلى مطالبة نتنياهو، بضمّه إلى مجلس الحرب بدل غانتس، علماً أن بن غفير كان قد أعلن تعليق حزبه التصويت لصالح الائتلاف الحكومي، بسبب تمنّع نتنياهو عن إطلاعه على نص مقترح صفقة التبادل، والذي وافق عليه «كابينت الحرب»، خلال الأسبوع الفائت. وفي المقابل، اعتبرت حركة «حماس» أن «غانتس وآيزنكوت يريدان القفز من القارب في الوقت المناسب قبل أن يغرق».
اعتبرت «هيئة عائلات الأسرى» الإسرائيليين أن انسحاب غانتس «لا يغيّر الواقع وعلى نتنياهو مسؤولية إقرار الصفقة وإعادة المختطفين»


وكان زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، دعا غانتس إلى «الانسحاب من حكومة نتنياهو الفاشلة»، معتبراً أن «غانتس هو الذي أبقى نتنياهو رئيساً للوزراء في هذه الحكومة السيئة». وأشار لابيد إلى أن «حكومة نتنياهو ليست لديها أهداف سياسية معروفة لا في غزة ولا في لبنان»، مضيفاً أن هذه «حكومة مجنونة تسمح بإرسال شاحنات المساعدات إلى غزة ثم يرسل الوزراء ميليشياتهم لاعتراضها». أما حزب «عوتسما يهوديت»، بقيادة بن غفير، فأعلن أنه «في ضوء ما يبدو أنه رفض للاتفاق المجحف من قبل حماس، وخروج غانتس المتوقّع من الحكومة، سيواصل الحزب التصويت مع الائتلاف كالمعتاد، طالما لا توجد صفقة غير شرعية على الطاولة»، داعياً إلى «مواصلة زيادة الضغط العسكري الذي أثبت مرة أخرى أنه الأداة الفعّالة الوحيدة لعودة الأسرى من دون استسلام».
وفي خضمّ ذلك، وفي أجواء عملية النصيرات، وجد نتنياهو مساحة لإعلان مواقفه الحقيقية من المفاوضات ومقترح صفقة التبادل، إذ قال أمام عائلات الجنود الذين قُتلوا في الحرب على غزة، إن «الولايات المتحدة مهمة جداً بالنسبة إلي، ولكن ليس على حساب أمن إسرائيل»، مشيراً إلى أنه «لم تكن هناك صفقة رهائن، لأننا لن نتخلّى عن استكمال أهداف الحرب». وأوضح نتنياهو أن «الخلاف الرئيسي مع حماس هو بشأن الالتزام بإنهاء الحرب دون استكمال أهدافنا»، مضيفاً أن «مطلب حماس إنهاء الحرب يحظى بدعم داخل إسرائيل، للأسف». وعلى المقلب الأميركي، قال مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، في تصريحات لـ«CNN»، إن «الفلسطينيين ونحن جميعاً بحاجة إلى الصفقة، ويجب الضغط على حماس لتحقيق ذلك (...) لن يتحقق وقف إطلاق النار دون موافقة حماس على الصفقة». كما جدّد سوليفان دعم بلاده لإسرائيل، مشيراً إلى «(أننا) ندعم إسرائيل في استعادة الرهائن من غزة منذ أشهر وليس فقط خلال هذه العملية».
أما في القاهرة، فلم يُعقد الاجتماع الثلاثي المصري - الأميركي - الإسرائيلي، الذي كان يُفترض عقده أمس بشأن إعادة تشغيل معبر رفح، وذلك على خلفية غياب التوافق المصري - الإسرائيلي بشأن إدارة المعبر، و«التوافق الضمني على إدخل المساعدات عبر معبر «كرم أبو سالم» حصراً حتى إشعار آخر». وعلى صعيد المفاوضات، وفيما كان المسؤولون المصريون يأملون أن تؤدي زيارة بلينكن، الذي من المرتقب أن يصل اليوم إلى الأراضي المحتلة، إلى حلحلة على طريق وقف إطلاق النار، أعادت عملية «النصيرات»، الأمور إلى نقطة الصفر مجدّداً.
وفي هذا السياق، يقول مصدر مصري، في حديث إلى «الأخبار»، إن «نتنياهو يسعى بشكل حثيث لإجهاض خطة بايدن وعدم التوصل إلى تهدئة تنهي الحرب»، الأمر الذي «أدخل المفاوضات في مرحلة جمود جديدة». وإذ يتوقع «المزيد من التصعيد العسكري الإسرائيلي على الأرض من أجل إحراج المقاومة»، فهو يشير إلى أن «الرهان في الوقت الحالي هو على إحداث تحرك من الداخل الإسرائيلي يضغط لإسقاط حكومة نتنياهو الساعية لاستمرار الحرب». ويضيف أنه مع استمرار الرفض الإسرائيلي المعلن لخطة بايدن وعدم تقديم ضمانات لإنهاء الحرب، فإن «الحديث عن استقبال وفد حماس في القاهرة لمناقشة التهدئة بات عديم الجدوى»، متابعاً أن «الوسيطين المصري والقطري لن يمارسا أي ضغوط إضافية على المقاومة للقبول بوقف إطلاق النار».