«كم هم مُبتهجون هؤلاء الجنود، لا ريب أنّ ما يفعلونه أمرٌ ممتعٌ». هكذا تعلّق إحدى المتابعات على فيديو يظهر فيه جنديان (رجل وامرأة) من جيش العدو الصهيوني يرقصان على تيك توك بفرحٍ إعلاناً لزفافهما المرتقب. ينتشر الفيديو، ليصبح حديث التيك توك ووسائل التواصل الاجتماعي. يسخر كثيرٌ من المتابعين العرب من هذه الفيديوهات باعتبارها تظهر «جيشاً من ورق» أو «جيش التيك توك»، كما يشير بعض المعلّقين، لكن الأمر يتعدّى ذلك بكثير. هناك فيديوهاتٌ أكثر قسوة، ومقاطع فيديو قصيرة منتشرة منذ بداية الهجوم البري الصهيوني الوحشي على غزّة وأهلها: فيديوهات صوّرها الجنود المحتلّون أنفسهم. تخاطب هذه الفيديوهات جانبين مختلفين: أولهما «المجتمع» الصهيوني، إذ إنّها تحاول «شدّ العصب» وتعزيز «الشعور بالتفوّق والانتصار على العدو المشترك». هذا ما أكدته مقالة صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية المعنونة: «ماذا تكشف فيديوهات الجنود الإسرائيليين: التهليل للدمار والسخرية من الغزيّين؟». نشرت «التايمز» مجموعة من الفيديوهات التي تظهر جنوداً صهاينة يمارسون أفعالاً وحشية بكثيرٍ من الافتخار والبهجة. أحد الفيديوهات يظهر جندي الاحتلال يلعب على آلة موسيقية، يربط بين الموسيقى التي يلعبها وبين الدمار الذي تنفذه أسلحة العدو بالمباني والمناطق الغزّية. يزدان الفيديو بالكثير من الجنود الصهاينة يرقصون ويحتفلون على وقع أغنية صهيونية معروفة اسمها Shtayim, Shalosh, Sha-ger تعني «اثنان، ثلاثة، أطلق». عند كلمة «أطلق»، نجد دماراً يحدثه وقع صاروخٍ أو قذيفةٍ صهيونية، وجنوداً يرقصون احتفالاً. يشير المقال إلى جملةٍ معلّقة على أحد الفيديوهات مع موسيقى نشيد كيان الاحتلال: «لقد توقفت عن عدّ المنازل التي محوتها من الوجود». هذا النوع من اللغة المتغطرسة والغارقة في الوحشية والدماء هو سلوك مرضي سايكوباثي. تشرح المقالة كيف أنَّ المطبوعة الأميركية شاهدت مئات الفيديوهات، بعضها صوّر يوميات هؤلاء المحتلين، وبعضها الآخر أظهر جوانب تستحقّ الحديث عنها كما حين يسرقون ويعيثون فساداً في أحد المحلات، أو يقتلون قطيعاً من الحيوانات اللبونة، أو حتى يدمرون «ممالك نحل» مخصّصة لإنتاج العسل ضمن سلوكٍ تخريبي ووحشي بالكامل. فيديو آخر يظهر جندياً محتلاً يجلس في منزل شبه مهدم على أريكة ويجرب أن يقرأ كتاباً، وفي الخلفية أغنية صهيونية ساخرة تحمل عنوان «هذا كان منزلي». يجول المحتل في المنزل كما لو أنه يعرّف المشاهدين إلى منزله، مشيراً إلى الصالة والصالون وحتى إطلالة الشباك. طبعاً ما يراه المشاهد هو دمار كلّي. وفي مشهدٍ مقزّز آخر، نجد مجموعة من الجنود الصهاينة، الذين يبدون أنهم من وحدة الهندسة في قوات الاحتلال (مسؤولة عن الهدم وبناء التحصينات)، يدخّنون النرجيلة التي يبدو أنّهم سرقوها من أحد البيوت، فيما يعطون الإشارة لبدء عملية تفجير أبنية وبيوت فلسطينية في غزّة وتحديداً في منطقة خان يونس. قبل ختام الفيديو، يرفع هؤلاء الجنود كؤوس النصر ابتهاجاً مع صرخاتٍ من القلب وضحكاتٍ غير مفهومة.
اللافت أنّه ضمن منطق التلميع للعدو، والدفاع عنه مهما فعل، تشير «نيويورك تايمز» في المقالة نفسها إلى أنَّ هذه السلوكيات الظاهرة في فيديوهات الجنود في غزّة، «تخالف» القواعد التي يفرضها الاحتلال على جنوده للنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. بحسب المقال، تُمنع مشاركة أي صورة أو فيديو «يؤثر على صورة الجيش في عيون العامة»، أو يظهر «إهانة للكرامة الإنسانية». طبعاً تظهر تلك الفيديوهات كيف تُهان الكرامة الإنسانية، كما حين نُشر الفيديو قبل أيام لجندي محتلّ يحاول إذلال سجين فلسطيني مقيد وعار على كرسي في مكانٍ عامٍ. اللافت أن الجنود رفضوا التعليق على هذه الفيديوهات بعد نشرها، حتى إن إدارة التيك توك حذفت بعضها حال سؤال «نيويورك تايمز» عنها. أكملت الصحيفة الأميركية لعبة الدفاع عن العدو حين أشارت إلى أنها أرسلت «إحداثيات» 63 من المناطق التي ظهرت في بعض الفيديوهات والصور المنشورة عبر مواقع التواصل من قبل جنود الاحتلال، طالبةً ردّهم عن مسألة «ضرورة وحتمية» هذا الدمار، فكانت الإجابة «خطّية» مفادها: «نحن نحارب حرباً معقدة»، و«هناك صعوبةٌ في التدقيق في الحالات والأماكن حالياً». وكي نفهم أنَّ ما يفعله الجنود الصهاينة، هو «إرهاب دولة»، وسلوك منهجي وليس عملاً فردياً، يكفي أن نسمع كلام نير دينار، أحد الناطقين باسم قوات الاحتلال، الذي علّق للصحيفة بأنّ «هذه المنازل المهدمة تشكل خطراً على القوات التي تعمل هناك، أو أنّها أهدافٌ عسكرية من نوعٍ ما»، و«كل هدفٍ يتم القضاء عليه أو تدميره، هناك بالتأكيد سبب مهم لإبادته». ضمن هذا المنطق، ليس مستغرباً أن ينشر هؤلاء الجنود هذا النوع من الفيديوهات التي تظهرهم على هذه الشاكلة، طالما أنهم يعرفون أنَّ ما يقومون به سيتم الدفاع عنه، فضلاً عن أنه سيعطي بقية الجنود نوعاً من «الشجاعة الزائفة» للقيام بمهماتٍ أكثر وحشية ودموية.
تحاول بعض الفيديوهات مخاطبة الرأي العام الغربي


من جهة أخرى، تحاول هذه الفيديوهات مخاطبة المجتمع الغربي، إذ إنها تصوّر في الثكنات بعيداً عن «أرض المعركة» جنوداً يرقصون، أو يتمايلون على أنغامٍ موسيقية، أو حتى لشابين مثليين يركع أحدهما ليطلب يد الآخر. إنها لغةٌ لمخاطبة المجتمع الغربي بالقول «إننا مثلكم نحن لسنا مثل هؤلاء المشرقيين أو الشرق أوسطيين الذين جئنا لقتلهم». طبعاً يحاول الصهاينة أيضاً مخاطبة المجتمعات المشرقية عبر فيديوهاتٍ احترافية تصنعها وحدة «الهاسبارا» العسكرية الصهيونية والمسؤولة عن الدفاع عن كيان الاحتلال إعلامياً وإلكترونياً، كما عند استضافة شخصيات متصهينة كملكة جمال العراق السابقة سارة عيدان، التي دعت إلى «تدمير غزة». الأمر نفسه حصل مع روان عثمان، المعارضة السورية، التي أطلّت في فيديو مدافعةً عن «حق الكيان في الدفاع عن نفسه»، ومدينةً «الإجرام الحمساوي» وسواها من الأكاذيب.