في دول الخليج العربية، ثمة فنادق فخمة تحوي على مقابض مراحيض مطلية بالذهب، ومراكز تسوق يفوق حجمها عدّة ملاعب كرة قدم مجتمعة، وناطحات سحاب تعلو صوب السماء، وجزر اصطناعية مرئية من الفضاء، ومناطق شبه مغلقة ومعزولة عرقيّاً. وُصف كل ذلك بالـ«معجزات» في الصحاريّ الحارقة. هذه علامات واضحة للرأسمالية غير المنظّمة: انظمة سياسية لا تزال في نواح كثيرة تقليدية للغاية، وتطارد بعضها بعضاً على طول الطريق المؤدي الى الحداثة المتمدنة المتطرّفة. مثّلت الأحداث الرياضية جزءاً مهماً من تطور الأحداث أيضاً: من سباق الجائزة الكبرى للسيارات في البحرين وأبو ظبي، وكأس العالم في قطر، الى بطولات التنس في دبي. غير أنّ النموّ في ظلّ غياب العدالة، كما هو واضح في البحرين، يعدّ بمثابة وصفة لصنع كارثة.
إنّ الانتفاضة المستمرة في البحرين، والمعركة الأخيرة بشأن سباق الجائزة الكبرى في «الفورمولا وان»، قد تكونان القشة التي ستقصم ظهر البعير لتغيير مخطط كهذا. محلياً، لم تكن معارضة سباق الفورمولا واحد تتعلق بهيئة رياضية عالمية تدعم نظاماً قمعياً فحسب. بل جاءت أيضاً كتعبير عن الغضب تجاه المشاريع الوجاهية المفرطة واهدار الموارد، فضلاً عن الاستياء من انتهاكات حقوق الانسان.
في المستقبل، قد يكون ذلك دليلاً على أنّ فعاليات أخرى ستتحوّل الى مساحة للتحريض على أنظمة خليجية أخرى. تبدو قطر، التي اختيرت لاستضافة مباريات كأس العالم في 2022، مدركة لهذا الأمر، وقد أعلنت أنها ستسمح بانشاء نقابات عمالية، قبل ذلك الحين.
وجهة نظر اخرى حيال معركة سباق السيارات والاحتلال السابق لدوار اللؤلؤة في البحرين، ترى بأنّ الأمر عبارة عن منافسة على الأماكن العامة، إذ يسعى مواطنون مظلومون إلى مصادرتها.
يقول مارك أوين جونز، مقيم سابق في البحرين وباحث دكتوراه، بأنّ «سيطرة الحكومة على الاماكن العامة ــ التي تدل على سلطة الأسرة الحاكمة الذكورية ــ كانت جزءاً من استراتيجية أساسية للنيوليبرالية، اذ إنّه في المساحات العامة يتم خلق صورة ايجابية لمكان جدير بالاستثمار».
بما في ذلك «نصب اللؤلؤة»، الذي هدم للحيلولة دون استخدام مساحته لتحدي سلطة الاسرة الحاكمة وسباق الجائزة الكبرى أيضاً، الذي تستغله الأسرة للتسويق «للتمدن العالمي» لبلادها.
لدى الانتفاضة في البحرين، التي بدأت في 14 شباط من العام الماضي، جذورها التاريخية في التطوّر المجنون الذي تلى الطفرة النفطية في السبعينيات. طفرة أدت الى استصلاح نحو 20 بالمئة من أراضي المملكة من البحر. هذه الأرض التي قُدرت قيمتها بنحو 40 مليار دولار في 2010 أثناء التحقيقات البرلمانية، مسجلة مباشرة باسم اعضاء الاسرة الحاكمة الذين تركوا نسبة 3% فقط من الشواطئ مفتوحة لعامة الناس.
في هذه الأثناء، أدى الاعتماد الكبير على القوى العاملة الأجنبية (جزء منه من أجل الهندسة السكانية) الى عزل الناس داخل بلدهم الخاص، والى تباعد الناس في السوق، وحرّك الرغبة في تحقيق عدالة اقتصادية. بصرف النظر عن اخراج الناس من سوق العقارات، كان هناك تأثير قليل لـ«تسلسل تنازلي»، وأحداث كالفورمولا واحد فشلت في تحقيق مكاسب كبيرة للفقراء.
التحول العمراني السريع للبحرين يتباين تبايناً صارخاً مع واقع الفقر الاقتصادي النسبي والاضطرابات الاجتماعية والسياسية. وفقاً لحسابات الحكومة نفسها، يتم تعيين خط الفقر النسبي ليكون 463 ديناراً (1230 دولاراً) شهرياً. ومع ذلك تشير الحكومة أيضاً الى انّ متوسط الأجور للبحرينيين يبلغ 449 ديناراً (1190 دولاراً) شهرياً...
ترأس النخبة السياسية والاقتصادية، التي تتكون في معظمها من أعضاء من الاسرة الحاكمة والموالين لها، نظاماً فاسداً بطبيعته، ولها مصالح ضخمة خاصة لابقاء الوضع الراهن على ما هو عليه. تشمل امتيازاتهم ادارة مؤسسات توزيعية تراكم العائدات النفطية جراء بيع 150 الف برميل يومياً، تتبرع بها المملكة العربية السعودية، وامتلاك اسهم ضخمة من مؤسسات احتكارية خاصة وعامة، ومصادرة الاراضي الجماعية.
مثلاً في حلبة سباق البحرين الدولية التي تستضيف سباق الفورمولا واحد، اكتشفت لجنة التدقيق التابعة للحكومة انّ السباق قد ولد خسارة سنوية للبحرين بلغت 49 مليون دولار اميركي في 2006، ولا يبدو أنّها تقلصت كثيراً منذ ذلك الحين. في كلّ الخدمات التي تُقدم حول مكان الحدث، كالمكاتب والفنادق وسيارات الاجرة، لدى وزير الخارجية او ولي العهد حصة فيها.
في استضافة البحرين لسباق الجائزة الكبرى، تدافع رأسمالية المحسوبية عن نفسها بنفس انتقامي، وتسعى الى حماية المعادلات السياسية والاقتصادية التي تثير استياءً اجتماعياً. وقد بيّن ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في بلدان الخليج على مدى العقد الماضي (مع الاخذ بعين الاعتبار الأزمة المالية العالمية) انّ هذه الأنظمة عرضة للاضطرابات الاجتماعية، كغيرها من البلدان.
ان سباق الفورمولا واحد الذي هو جزء من المشروع النيوليبرالي، لا يتعلق فقط بالسياسة والاقتصاد، بل بالعنف والخطر والأمن الذي يعاني منه الشعب. قد يكون من السابق لأوانه الاعتقاد بأنّ الاحلام الثورية ستحل محل الواقعية السياسية للنفط والمال، وتجهز على المشاريع الحديثة المفرطة للدولة الخليجية الرئيسية. لكنّها ستقضي عليهم يوماً ما.
* كاتبة بحرينية (عن جريدة «غارديان» البريطانية ــ ترجمة كوثر فحص)