تتقلّب أحوال المفاوضات غير المباشرة، بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، بشكل سريع وأحياناً غير متوقّع. ينبع ذلك أساساً، من حساسية المفاوضات والشأن الذي تدور حوله، وما سينتج عنها من وضعيات أمنية وسياسية ستترك آثارها الواضحة على المنطقة، وربما العالم، لسنوات عديدة مقبلة، إضافة الى كون المفاوضات تعاني من هشاشة بالغة، وهي تجري تحت ضغط الحديد والنار، والتهديد بالمزيد، ووصول جميع الأطراف إلى ما يمكن اعتبارها الحلقة الأخيرة من الحرب في قطاع غزة، وهي عملية رفح.إلى جانب ذلك، بلغت جبهات أخرى مع العدو الإسرائيلي، وخصوصاً الجبهة الشمالية، مبلغاً متقدّماً في احتمال تحوّلها إلى حرب شاملة كبرى، قد تصبح معها اليوميات الدامية في قطاع غزة، تفصيلاً على هامش الصورة. كذلك، تيقّنت الأطراف جميعها، كل من موقعه وموقفه، أن لا حلّ للتصعيد الإقليمي، ولا سبيل لتحقيق «الاستقرار في الشرق الأوسط»، كما يعبّر عنه الأميركيون، سوى بإنهاء الحرب في غزة، عبر مدخل إلزامي، فرضته المقاومة الفلسطينية بصمودها طوال نحو 7 أشهر من القتال، وتشدّدها في الموقف التفاوضي، عنوانه: صفقة تبادل أسرى.
هذه الرؤية، لا تبدو أوضح منها في «البيت الأبيض»، حيث «يعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن، التوصّل إلى وقف إطلاق النار، حاسماً في استراتيجية أوسع داخلياً وخارجياً» وفق مسؤولين أميركيين تحدثوا إلى موقع «أكسيوس»، وأضافوا أن «البيت الأبيض يرى أن وقف إطلاق النار كجزء من صفقة تبادل، سيطفئ حرائق أخرى في المنطقة»، والأهم أنه «قد يبعد إسرائيل وحزب الله عن حافة الحرب»، وفق قول المسؤولين. كذلك، رأت مديرة «المخابرات الوطنية الأميركية»، أفريل دانيكا هاينز، في شهادة أمام «الكونغرس» أمس، أن «الصراع في غزة، هزّ منطقة الشرق الأوسط، وتسبّب في تحديات أمنية وإنسانية جديدة»، مرجّحة أن «تحدّد كيفية حلّ الصراع في الشرق الأوسط مستقبل الإقليم لعقود».
وبناءً على كل ما سبق، وبعدما كان متوقّعاً أن تردّ حركة «حماس»، ليل أمس، على المقترح الإسرائيلي الذي وصلها قبل أسبوع، طلب الوسطاء في مصر وقطر، من الحركة، أن تُمهلهم مزيداً من الوقت، قبل أن ترسل ردّها. حيث تلقّى الوسيطان القطري والمصري، ومن خلفهما الأميركيون، إشارات واضحة بأن موقف «حماس»، من المقترح الذي وصلهم قبل أسبوع، «سلبيّ»، وهو غير مقبول بصيغته التي وصلتهم. وكان ذلك دافعاً لأن تشهد الساعات الـ48 الماضية اتصالات مصرية -إسرائيلية - أميركية، لمنع انهيار المفاوضات وسعياً للتوصّل إلى صيغة مقبولة لدى المقاومة والعدو. وللغرض نفسه، «حصلت القاهرة على وعد إسرائيلي بإرجاء البدء في أي عملية عسكرية في رفح جنوبي قطاع غزة، على الأقلّ حتى نهاية الأسبوع المقبل»، وفق مصادر مصرية تحدّثت لـ«الأخبار».
البيت الأبيض يرى أن وقف إطلاق النار في غزة سيطفئ حرائق أخرى في المنطقة


وعُلم أن وفداً من حركة «حماس»، برئاسة خليل الحية، سيتوجّه مجدداً إلى القاهرة، حاملاً المقترحات المطلوب تعديلها في مقترح الولايات المتحدة ومصر. وقالت مصادر معنية بالمفاوضات، لـ«الأخبار» إن «حماس تريد تأكيداً على انسحاب كامل لقوات الاحتلال من جميع مناطق القطاع، وخصوصاً من وادي غزة أو ما يُعرف بمنطقة نتساريم»، وإن «هذا الانسحاب يجب أن يكون في أقرب وقت، مع ضمان الحرية الكاملة للتحرك بين شمال وجنوب القطاع، وبصورة غير مقيّدة لأحد من أبناء القطاع، إضافة الى إلغاء الفقرة في المقترح، التي تتحدّث عن مدنيين وعسكريين». إلى جانب ذلك، تطالب المقاومة «بعدم تواجد أي جهة غير فلسطينية على كامل أراضي القطاع. على أن يكون الانسحاب شاملاً من كل القطاع، بما في ذلك الشريط الملاصق لغلاف غزة، في وقت قريب من نهاية المرحلة الأولى».
أما البند الثاني والأهم، فهو المتعلّق بـ«وقف شامل لإطلاق النار». وفيما قالت المصادر نفسها، إن هناك ما يمكن تسميته بـ«وديعة أميركية – مصرية»، تُعرض على «حماس»، أن تضمن الولايات المتحدة ومصر عدم عودة العدو إلى الحرب على القطاع بعد انتهاء الهدنة، طالبت «حماس» بأن تكون «الإشارة واضحة إلى هذا البند». كما طالبت بأن «تكون تركيا طرفاً ضامناً في الاتفاق، وعدم اقتصار الدول الضامنة على قطر ومصر والولايات المتحدة، خصوصاً أن واشنطن، قبل تل أبيب، رفضت أن تكون روسيا طرفاً ضامناً». وبحسب المصادر، فإن «الجانب المصري يتولّى حالياً أعلى موجة من الضغوط على حماس»، زاعماً أن الموقف الأميركي «مناسب» كون «الولايات المتحدة معنية جداً بالتوصّل إلى اتفاق، وأنها تواصل الضغط على حكومة نتنياهو، حتى من جهة الإشكالات الآيلة إلى التوسّع داخل حكومته، وداخل الجيش أيضاً». كذلك، تروّج القاهرة إلى أن «واشنطن لا تريد أن تشنّ إسرائيل عملية رفح، لأنها تنعكس مزيداً من الحرج للإدارة الأميركية على مستوى الجمهور، حيث بات وقف الاحتجاجات الطالبية هدفاً رئيسياً لدى إدارة بايدن». إضافة إلى ذلك، قالت المصادر إن «الساعات المقبلة سوف تكون حاسمة، لأن الأميركيين يتحدثون عن ضمانات بعدم العودة إلى الحرب، إن وافقت حماس على الهدنة»، وأنه «لا يمكن الضغط على إسرائيل أكثر مما هو الآن». بينما نُقلت إلى الوسطاء أجواء قيادة المقاومة في غزة، والتي تقول إن «الضمانات لوقف الحرب وانسحاب كل قوات الاحتلال وضمان حرية التنقل، شروط أساسية، ولا يمكن تجاوزها».
وكانت حركة «حماس»، أعلنت أمس في بيانين منفصلين، أن رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، أجرى اتصالاً هاتفياً مع وزير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بشأن المفاوضات. وبحسب بيانَي الحركة، فقد ثمّن هنية الدور الذي تقوم به مصر وقطر، وأكّد على الروح الإيجابية عند الحركة في دراسة مقترح وقف إطلاق النار. وكذلك أكّد هنية قدوم وفد الحركة إلى القاهرة، في أقرب وقت لاستكمال المباحثات.