توظّف السعودية كل أذرعها الناعمة من الإعلام إلى الترفيه بهدف تحقيق مشروعها التطبيعي مع الكيان الصهيوني. بعدما شاهدنا (وما زلنا) أداء قناة «العربية» خلال «طوفان الأقصى»، وانحيازها المبطّن إلى السردية الصهيونية (الأخبار 1/11/2024) وعرض وجهة نظر الجلّاد في الحرب، ها هي تواصل حربها الناعمة الهادفة إلى كيّ الوعي العربي ودفن القضية الفلسطينية، وهذه المرة، عبر منصّة «شاهد».
(نهاد علم الدين)

إذ تعاقدت شبكة mbc وتطبيق «شاهد» المنضوي تحتها، مع الكاتب الإسرائيلي ادي حيزق (Adi Hasak) لتقديم مسلسل «كرنتينا» (كان اسمه «دهب») الذي تدور أحداثه في منطقة الكرنتينا في بيروت. من الصعب العثور على معلومات تتعلّق بالكاتب الإسرائيلي، فكل ما يتوافر على محرّك البحث غوغل باللغة العربية، هو بعض التفاصيل العامة عن حيزق الذي ولد في هولندا عام 1964 وتنقّل بين «إسرائيل» والولايات المتحدة. كما شارك في كتابة مجموعة أعمال أبرزها فيلم From Paris with Love الذي عُرض عام 2010، وفيلم 3 Days to Kill في عام 2014، وباقة قليلة من الأعمال الدرامية من بينها فيلم عن مدينة ميونيخ الألمانية. لكن إذا فتّشنا في الصحافة العبرية، سنعثر على الكثير من المعلومات أبرزها أنّ حيزق كان جندياً سابقاً في «جيش» الاحتلال الإسرائيلي ضمن لواء المظلّيين، وشارك في اجتياح لبنان عام 1982.
طبعاً، كل هذه المعلومات لن تقدّمها mbc للمشاركين في المسلسل، فمنال عيسى مثلاً، التي تلقّت عرضاً بالمشاركة في المسلسل، قامت بواجبها الفردي في البحث عن الكاتب، لتتّضح لها كل هذه المعلومات حول هوية كاتب العمل الذي صوِّر كاملاً في اليونان، ودخل اليوم مرحلة المونتاج. عدا منال عيسى التي اعتذرت عن عدم المشاركة في المسلسل، يجمع الأخير ممثلين لبنانيين وأجانب، من بينهم نيقولا معوض، وسينتيا خليفة، ومروى خليل، وسعيد سرحان والممثل الأميركي جايمس فرانكو، وتدور أحداثه في منطقة الكرنتينا، مضيئاً على صاحبة عقارات تسعى بشتى الطرق إلى شراء المنازل هناك واستغلال الأهالي الذين ينتمي جلّهم إلى الطبقة الفقيرة. ويتابع «كرنتينا» قصة شابّ هارب من منطقة الفلوجة العراقية، يقرّر فتح ملهى ليليّ في الكرنتينا، ويبدأ بالبحث في كيفية شراء المنازل في المنطقة. وكان الكاتب الإسرائيلي إدي حيزق قد زار بيروت قبل أعوام واستقرّ في الكرنتينا مدّة طويلة كي يكتب المسلسل. وقد دخل لبنان بجواز سفره الهولندي، وجمع أثناء عمله تفاصيل الحياة في الكرنتينا. وتشير المصادر إلى أنّ تصوير المسلسل انتهى في الخريف الماضي، لكنه يواجه حالياً مشكلات تتعلق بالإنتاج قد تقف عقبة أمام عرضه على تطبيق «شاهد».
كاتب المسلسل كان جندياً سابقاً في لواء المظلّيين الإسرائيلي


وتكشف منال عيسى في حديث معنا أنها رفضت العرض رفضاً قاطعاً رغم مغرياته المالية، موضحة أن القائمين عليه لا يقدّمون معلومات حول كاتبه، بل يكتفون بالقول بأنّه أجنبي أنجز عدداً من الأعمال البارزة. وتتساءل بطلة فيلم «البحر أمامكم» (إخراج إيلي داغر) حول أسباب تعاقد mbc مع كاتب شارك في اجتياح لبنان عام 1982، قائلة: «لماذا الانبطاح للسردية الإسرائيلية والتعامل مع الكتّاب الإسرائيليين بشكل طبيعي، في وقت يقاطع فيه العالم كله العدو لارتكابه الجرائم في غزة». وطالبت عيسى الممثلين اللبنانيين بالتوحّد لتأسيس مقاومة ثقافية في وجه الحرب الناعمة التي تعمل على تطبيع الوجود الإسرائيلي في المنطقة، قائلةً: «يجب أن ننفّذ مسلسلات وأفلاماً عن بلدنا، بدل تخصيص ميزانيات عالية للمهرجانات والتطبيع مع العدو. بعد 7 تشرين الأول، تغيّر الوضع تماماً، ويجب أن نقول الأمور كما هي من دون خوف». أما الممثل سعيد سرحان، فينفي علمه بحقيقة كاتب مسلسل «كرنتينا»، قائلاً في حديث سريع معنا: «قرأت نصاً واضحاً يتحدث عن العلاقات الإنسانية واستغلال الفقراء. لم يلاحظ فريق العمل تواجد أي أمر سياسي يتعارض مع أفكارنا أبداً».
قد يكون «كرنتينا» أول الغيث في أجندة التطبيع الدرامي التي تعمل عليها الأدوات الإعلامية والترفيهية السعودية، بهدف ترسيخ الوجود الإسرائيلي في الوجدان العربي بصفته كياناً طبيعياً، وليس مشروعاً استعمارياً تأسّس على المجزرة والإبادة العرقية الممنهجة بحقّ أهل الأرض.



منال المقاومة


ليست المرة الأولى التي تسجّل فيها منال عيسى موقفاً فنياً ضد العدو الإسرائيلي. في عام 2018، خطفت الأضواء بعدما أطلت على السجادة الحمراء في «مهرجان كان السينمائي الدولي» أثناء مشاركتها في فيلم Solo.. A Star Wars Story، ورفعت لافتة كتب عليها: «أوقفوا العدوان على غزة» (الصورة). ومع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حوّلت منال مشاركتها في «مهرجان الجونة السينمائي» في مصر، إلى مناسبة لتسجيل موقف تضامني مع أهل القطاع. ارتدت عيسى الكوفية الفلسطينية وقميصاً رُسم عليه شاب يحمل قاذف «ب- 7» ويشعّ نور من وجهه من تصميم الزميل نهاد علم الدين، في إشارة إلى ضرورة المقاومة في وجه العدوّ.


«شاهد»... فتنة وتحريض وأسرَلة
إلى جانب تطبيع الوجود الإسرائيلي في الوعي العربي، تلعب mbc على التحريض والفتنة المذهبية في أعمالها الدرامية. في آذار (مارس) العام الماضي، عُرض تطبيق «شاهد» مسلسل «الجابرية: الرحلة 422» (إﺧﺮاﺝ اشلي بيرس) الذي تطرّق إلى عملية اختطاف الطائرة الكويتية الرحلة 422 عام 1988 وعرفت بعملية «اختطاف الجابرية». يومها، اتُّهم الشهيد عماد مغنية (1962 ــــ 2008) ورفاقه باختطاف الطائرة التي كانت متّجهة إلى الكويت قادمةً من مطار بانكوك في تايلند، وأدّت إلى أزمة رهائن استمرت 16 يوماً. لكن العمل الفتنوي لم يمرّ بهدوء، إذ أوقف بعد ضغوط من السلطات الكويتية، وعُرضت ثلاث حلقات منه فقط من أصل ستّ. يومها، حاول التطبيق تضليل الرأي العام، وتشويه صورة المقاومة وتمرير السردية الصهيونية عبر مشاهد مزيّفة تضمّنت وجهة نظر العدو الإسرائيلي من تلك العملية. لا يعدّ مسلسل «الجابرية الرحلة 422» الوحيد الذي حاولت عبره الشبكة السعودية تشويه الحقائق وبثّ الفتن. قبل عامين، انشغلت بتصوير مسلسل «معاوية» (إخراج طارق العريان، وتأليف خالد صلاح) الذي يتناول سادس الخلفاء في الإسلام ومؤسّس الدولة الأموية في الشام وأوّل خلفائها. لكن مع إعلان الشبكة عن انطلاق تصوير العمل في تونس، بدأت ردود الفعل تطال المشروع، ما أدى إلى توقيفه. فقد طالب زعيم التيّار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، شبكة mbc بصرف النظر عن المسلسل لأنّه يجدّد «الجرح الإسلامي»، على حدّ تعبيره. مع ذلك، واصلت الشبكة تصوير «معاوية»، قبل أن يصطدم صنّاع المشروع بمشكلات إنتاجية أدت إلى انسحاب المخرج طارق العريان، ليعود الخريف الماضي الحديث عن استكمال تصوير المسلسل في تونس بفريق عمل جديد. وحتى كتابة هذه السطور، لم يتّضح مصير العمل بعد، مع العلم أن الشبكة خصّصت له ميزانية ضخمة، يُحكى أنها تفوق المليون دولار أميركي.