على وقع وصول الدبابات الإسرائيلية إلى معبر رفح، عند الحدود مع مصر، وصلت، أمس، الوفود المفاوضة إلى القاهرة. وبتفويض محدود، ومستوى متوسّط، أرسلت إسرائيل وفدها إلى العاصمة المصرية للمشاركة في المحادثات غير المباشرة مع المقاومة الفلسطينية، التي أرسلت ممثّليها أيضاً، تزامناً مع وصول وفد قطري وآخر أميركي بقيادة رئيس «وكالة الاستخبارات المركزية»، وليام بيرنز، الذي مضت أيام عدّة على تنقّله بين مصر وقطر، في إطار السعي للتوصل إلى اتفاق. ومن الواضح أن إسرائيل أرادت أن تستبق إرسال وفدها، بعملية عسكرية، مترافقة مع حملة إعلامية مضخّمة، شارك فيها القادة الأمنيون والسياسيون، وفي مقدّمتهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي تحدّث عن العملية «المحدودة» في رفح، وكأنها التي ستأتي بـ«النصر الساحق والكامل»، الذي دأب على التعهّد به طوال أشهر الحرب الطويلة. وفي سياق تلك الحملة، أعلن نتنياهو، مساء أمس، أن «قواتنا رفعت الأعلام الإسرائيلية على معبر رفح، وأنزلت أعلام حماس»، وأشار إلى أن «دخول رفح يخدم هدفين رئيسيّين من أهداف الحرب هما عودة مختطفينا والقضاء على حماس». أما وزير الحرب، يوآف غالانت، فقد قال إن «العملية في رفح لن تتوقف حتى القضاء على حماس أو استعادة أول مخطوف»، مبدياً في الوقت عينه «الاستعداد لتسويات من أجل استعادة المخطوفين، وإن لم نحقق ذلك سنعمّق العملية في رفح».بدوره، قال الوزير في «كابينت الحرب»، بيني غانتس، إن «فريق التفاوض الذي ذهب إلى القاهرة ليست مهمته الاستماع فقط، بل إنه ملزم بكل شيء، والعمل على وضع الخطوط العريضة للاتفاق، ونحن نعمل جميعاً لتحقيق ذلك».
لكن، بعيداً عن الاستعراض الإسرائيلي الدعائي، فإن مختلف المعلومات تشير إلى أن العملية «المحدودة» في رفح، تمّت بدعم أميركي، وتنسيق مع مصر، وهدفها منح حكومة نتنياهو فرصة للخروج بـ«صورة انتصار» يمكن تقديمها للجمهور الإسرائيلي عموماً، ولحلفاء نتنياهو في اليمين المتطرف، خصوصاً، فضلاً عن تحصيل إسرائيل ما تعتقد أنها ورقة يمكن تسييلها في المفاوضات مع المقاومة، في محاولة لتعديل بعض شروط الاتفاق المطروح. كما أن السيطرة على معبر رفح، من وجهة نظر إسرائيلية - أميركية، تُعتبر خطوة في طريق التمهيد لشكل «الإدارة المدنية» للقطاع، بعد الحرب، حيث أفاد مراسل موقع «واللا» العبري، باراك رافيد، بأن «إسرائيل تنوي إدخال جهات فلسطينية غير حماس إلى معبر رفح، ستتولى تشغيل المعبر وإدارة عملية إدخال وتوزيع المساعدات»، وهو ما يتواءم مع تصريحات «البيت الأبيض»، بخصوص وجوب «إعادة فتح معبر رفح في أقرب وقت».
وفي هذا السياق، تكشف مصادر مطّلعة، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «بعد فشل عدة محاولات سابقة، يحاول - مجدداً - رئيس جهاز المخابرات العامة في السلطة الفلسطينية، اللواء ماجد فرج، استعادة المبادرة من خلال معبر رفح وإدارته وتشغيله، لإدخال عناصر تابعين لجهازه إلى قطاع غزة، تمهيداً لما سيكون من برامج وخطط لليوم التالي للحرب، على مستوى إدارة القطاع مدنياً». وكانت صحيفة «هآرتس»، ذكرت من جهتها، أن «إسرائيل ملتزمة باقتصار العملية على معبر رفح، وتسليم السيطرة بعد ذلك لشركة أمنية أميركية»، إثر محادثات مع الولايات المتحدة ومصر. وعلى أي حال، فإن وصول الدبابات إلى معبر رفح، لا يحمل أي إنجاز عسكري يُذكر، خصوصاً أن المنطقة الفاصلة بين المعبر وحدود قطاع غزة مع الأراضي المحتلة، أي نقطة انطلاق القوات الإسرائيلية، هي عبارة عن أراضٍ زراعية فارغة، جرى قصفها مراراًَ وتكراراً منذ بدء الحرب، وهي خالية بشكل شبه كامل. كما أن المسافة التي يجب على الدبابات قطعها قبل الوصول إلى المعبر تُقدّر بنحو كيلومترين فقط.
وصول الدبابات إلى معبر رفح، لا يحمل أي إنجاز عسكري يُذكر


وبالعودة إلى المفاوضات، فقد بدا واضحاً أن حركة «حماس»، عبر إعلانها الموافقة على مقترح الوسطاء، مساء أول من أمس، نجحت في رمي الكرة، ليس في الملعب الإسرائيلي فحسب، بل أيضاً في الملعب الأميركي. وهو ما يمكن الاستدلال عليه من التصريحات والتسريبات الإسرائيلية الكثيرة، عن «الغضب والاستياء» في الكيان، مما قيل إنه «خديعة» أميركية؛ إذ إن ما وافقت عليه «حماس» - بحسب الزعم الإسرائيلي - هو غير ما جرى التواصل بشأنه من قبل الأميركيين والمصريين مع حكومة الاحتلال. وفي المقابل، ردّ المسؤولون الأميركيون بأن ما وافقت عليه «حماس»، هو نفسه ما كانت قد وافقت عليه إسرائيل في وقت سابق، مع «تعديلات طفيفة». وبمعزل عن ذلك الجدل، فقد أعلن المتحدث باسم «البيت الأبيض»، جون كيربي، مساء أمس، أن «المحادثات ستبدأ مجدداً في القاهرة، وينبغي للطرفين تضييق الفجوات المتبقية بينهما»، معتبراً أن هذه «الفجوات يمكن سدّها»، وآملاً في أن «يتم التوصل إلى اتفاق قريباً جداً». كما أعلن أن «إسرائيل أبلغتنا بأن عملية رفح ستكون محدودة». وترافق ذلك مع إعلان الرئيس الأميركي، جو بايدن، أن «دعمنا لإسرائيل ثابت ولن يتغير حتى لو كانت هناك خلافات»، وكشفت تقارير إعلامية أن إدارة بايدن «علّقت إرسال نوعين من القنابل الدقيقة من صنع شركة بوينغ إلى إسرائيل». وأفادت مصادر مجلة «بوليتيكو» بأن «إدارة بايدن تتّخذ إجراءات لتأخير نقل الأسلحة إلى إسرائيل لإرسال رسالة سياسية»، في حين أشارت وكالة «رويترز» إلى أن «الولايات المتحدة تؤخّر شحنات الأسلحة إلى إسرائيل لمدة أسبوعين على الأقل»، وأن «البضائع غير العسكرية المتجهة إلى إسرائيل يتم تأخيرها أيضاً».
على المقلب الفلسطيني، رأى القيادي في حركة «حماس»، أسامة حمدان، في تصريحات صحافية، أن «على الإدارة الأميركية إثبات جديتها ومصداقيتها في إلزام نتنياهو بالاتفاق»، معتبراً أن «اقتحام معبر رفح محاولة مكشوفة لتخريب جهود الوسطاء في إنجاز اتفاق وقف العدوان على شعبنا». كما أكّد حمدان عدم قبول الحركة «بوجود أي قوة احتلال على معبر رفح، والمعبر سيظلّ معبراً فلسطينياً مصرياً (...) ولا نقبل بأن تديره شركة أميركية أو غيرها». ومن جهتها، أملت مصادر مصرية، في حديث إلى «الأخبار»، «التوصل إلى صيغة إطارية في غضون 72 ساعة»، كاشفةً أن المسؤولين المصريين أبدوا لنظرائهم الإسرائيليين، «استياءهم من تأخر إبلاغهم بالتحركات على الشريط الحدودي حتى قبل وقت قصير من تنفيذها»، وهو ما عزاه الإسرائيليون إلى أن «قرار تنفيذ العمليات المحدودة صدر متأخّراً». ونقلت عن المصريين تأكيدهم رفض الانسحاب من معبر رفح، فيما طالب الوفد الإسرائيلي إلى المفاوضات، بـ«بتسليم إدارة المعبر لفصائل فلسطينية أخرى». ويأتي ذلك في وقت دفعت فيه مصر بتعزيزات عسكرية مكثّفة إلى المنطقة، توازياً مع تجهيز مزيد من الأعمال الإنشائية الخرسانية داخل المعبر من الجانب المصري، وإلغاء الإجازات في الكتائب العسكرية المسؤولة عن تأمين قطاع شمال سيناء بالكامل، وسط استنفار أمني على الشريط الحدودي.