إزاء ذلك، يرى مراقبون أن ««النهضة» تعمل على تعلية السقف ضد سعيد، على أمل أن يستشعر الأخير الخطر من قواعدها، فيرضخ لبعض من مطالبها لتهدئة الوضع قبيل الاقتراع».كما يرى هؤلاء أن الحركة «تبحث عن الإفراج عن قياداتها ورئيسها راشد الغنوشي، ورفع يد السلطة عن مقرها المُصادر والمغلق منذ قرابة السنة، إضافة إلى إبداء مرونة في شروط الترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية، حتى تتمكن من المشاركة وتعود إلى مؤسسات الدولة ولو كأقلية». أما بقية الطيف السياسي المعارض من العائلتين اليسارية والوسطية، فقد أجمعت مسبقاً على مقاطعة رئاسيات 2024، على خلفية تباطؤ الرئيس في إعلان موعدها، بعدما اطمأن إلى أن منظومته حاكت ما يكفي من القضايا والملاحقات لجعل دائرة المترشحين أضيق من المتوقع حتى، فضلاً عن أن «هيئة الانتخابات» فقدت الاستقلالية بشكل لن يجعل من الرئيس مرشحاً متساوياً مع نظرائه، ولن يجري إبعاده من قبلها في حال استعمل سلطته من أجل توجيه وعي الناخبين. أيضاً، تعتقد هذه الأحزاب والحركات أن بقاء سعيد لعهدة أخرى «لن يزعج الشركاء الدوليين الذين يتجاهلون تراجع الديموقراطية طالما يحمي سعيد حدود أوروبا من المهاجرين».
ضبطت «الهيئة العليا للانتخابات» إجراءات وشروط الترشح بما يتوافق مع رؤية الرئيس وإدارته
من جهتها، لا تزال «حركة الشعب» (اليسارية الناصرية) تنادي بتصحيح الرئيس لمسار 25 تموز وإلغاء المراسيم القامعة للحريات، بينما تشارك في الرئاسيات بتقديم مرشح ينافس سعيد، إذا لم يدعها هذا الأخير إلى التحالف قبيل الانتخابات. وبالنسبة إلى الأميرال المتقاعد، كمال العكروت، فإن نواياه في الترشح لم تكن مفاجئة، خاصة أن دوائر أجنبية عديدة تسانده وتراه بديلاً لسعيد. فإلى جانب معرفته بمفاصل المؤسسة العسكرية، سبق له أن عمل مستشاراً لدى الرئيس الراحل، الباجي قائد السبسي، وله علاقات ومعرفة بالحكم، ولا يغضب تواجده على رأس البلاد أي جهة، فهو ليس «إخوانياً» أو يسارياً، بل أقرب إلى التكنوقراط حداثي الخلفية.
وعلى ضوء إعلان سعيد موعد الانتخابات، باشرت «الهيئة العليا للانتخابات» التحضير للاستحقاق، وضبط إجراءات وشروط الترشح بما يتوافق مع رؤية الرئيس وإرادته. واللافت في هذه الشروط افتقارها إلى النزاهة، نظراً إلى أن «الهيئة» قررت قبل صدور الإعلان الرئاسي بساعات، أن تعتمد تقديم المرشح لسجلّه العدلي مع ملفه الانتخابي، وهو ما لا ينص عليه القانون الانتخابي، معلّلة ذلك بأنها تسعى للتثبت من أنه لا أحكام صادرة سابقاً ضد المترشحين متعلقة بجرائم انتخابية. ويوضح مراقبون أن ذلك الطلب «يأتي وسط إثارة أكثر من عشر قضايا في حق مترشحين للانتخابات منذ عام 2014، بهدف منعهم من الترشح في هذا الموعد لتنحصر قائمة المترشحين بما يخدم الرئيس».
ويضاف إلى ما تقدّم، أن هذه الانتخابات، التي تنطلق رسمياً بقبول الترشحات، ستجري من دون حوار في الفضاء العام، إذ إن جميع البرامج السياسية توقفت تقريباً، وغالبية وسائل الإعلام العمومية والخاصة أضحت مجرد منابر ترفيهية تكتفي بعرض نشاطات الرئيس فقط، فيما أحجمت غالبية الأحزاب عن التعاطي مع الواقع السياسي خوفاً من ملاحقة قياداتها وأنصارها. ويأتي ذلك في الوقت الذي يصر فيه سعيد على التأكيد أن الانتخابات ستكون ديموقراطية وتعددية وشفّافة ونزيهة.