يوم أمس، احتضنت بيروت خمسينية انطلاق «الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب» (البوليساريو)، في ندوةٍ بعنوان «من الصحراء الغربية إلى فلسطين: إبادة مستمرّة». نظّمتها ممثلية جبهة «البوليساريو» في المشرق العربي والحزب القومي السوري الاجتماعي. وحضرها ديبلوماسيون وصحافيون وشخصيات عاملة في الشأن العام، من لبنان وسوريا والأردن والجزائر واليمن. أتوا لتأكيد التضامن مع مطلب الشعب الصحراوي في حقه بتقرير مصيره، والتمتّع بسيادته على أراضيه الواقعة تحت سيطرة النظام المغربي.
جاءت الفعالية لافتة من حيث المضمون الذي غلب عليه استلهام الصحراويين من الصمود الجبار للشعب الفلسطيني منذ ثمانية أشهر. كما من حيث المكان. إذ لم يكن اختيار بيروت عبثياً، إنّما لكونها ساحة التعبير الوحيدة في المشرق العربي التي يسمح فيها بالتطرّق إلى قضية الصحراء وتنظيم نشاطٍ داعمٍ، وسط حجم الضغوط الهائلة التي تمارسها الرباط على الدول، ولا سيما العربية، لإبقاء القضية مُحتجزة بين جدران الصمت والتغييب.

كما تزامنت مع حربٍ تخوضها المقاومة في جنوب لبنان، ضد الكيان الصهيوني نفسه الذي يدعم المملكة المغربية استخبارياً وأمنياً، منذ عقود في حربها ضد أهل الصحراء الغربية، وكفاحهم المسلّح المتمثّل بالـ«البوليساريو». فصبّت جميع الكلمات عند نقطة التقاء تتقاطع حولها المقاومات والنضالات الشعبية، وهي حق الشعوب في تقرير مصيرها، كما حقها في العيش بحرية وكرامة، فكانت التحايا إلى كل المقاومات وحركات التحرّر الوطني والشعوب المناضلة على امتداد العالم. وهو ما صبّت في اتجاهه كلمة رئيس المجلس السياسي الأعلى في الحزب القومي السوري الاجتماعي، عامر التّل، بقوله «المقاومة واحدة على اختلاف الانتماءات، وكل قضية إنسانية في العالم هي قضية أبناء شعبنا الذي يقف إلى جانب كل القوى التي تساند وترفع راية فلسطين».

في خلفية المنصّة المخصّصة للمتحدّثين، يلفت الانتباه علم «الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية» المُطابق تقريباً لعلم فلسطين مع تعديل بسيط، في وسطه. وبحضور قرابة المئة مشارك، افتتحت الكلام الصحافية اللبنانية الدكتورة ليلى بديع، الملقّبة بـ«أمّ القضية»، لكونها من أوائل من كتب عن الصحراء الغربية. استذكرت بديع زيارة مؤسسة «البوليساريو»، الولي مصطفى السيد، إلى بيروت في سبعينيات القرن الماضي، في إطار تنسيق التعاون بين الجبهة والأحزاب اليسارية آنذاك، وفي مقدّمتها «الحزب الشيوعي اللبناني» و«جبهة التحرير الفلسطينية». لتقول إن «الالتقاء مجدداً في بيروت في الذكرى الـ 51 لانطلاق الكفاح المسلّح، هو السياق الطبيعي لتاريخ بيروت المقاوم».
(هيثم الموسوي)

وبما أنّ قضية الصحراء مغيّبة منذ زمن عن طاولة جامعة الدول العربية، كما عن الإعلام العربي، وعن الفضاءات السياسية والثقافية الخ... أثار رئيس «اللجنة العربية للتضامن مع الشعب الصحراوي»، محمود الصالح، في كلمته، ضرورة أنّ «تستعيد القضية حضورها»، لافتاً إلى حجم «عتب الصحراويين الذين يشعرون بأنهم تركوا وحدهم يناضلون في سبيل تحررهم». ليأخد بعدها ممثل جبهة «البوليساريو» في المشرق العربي، الدكتور مصطفى محمد الأمين، الكلام لينقل صورةً عن حجمِ «ممارسات التنكيل بحق الصحراويين القاطنين في الجزء الذي تسيطر عليه المغرب»، متنقلاً بين أوضاع السجناء الصعبة، وبين قمع الحركات النضالية للصحراويين. ومن هنالك إلى ما وصفه بـ«حركات الاستيطان المغربية» في أراضي الصحراء، حيث إنّ كل منزلِ عائلة صحراوية تحاوطه مجموعة منازل لمغربيين يتمّ الإتيان بهم إلى مدن الصحراء، للقول إنّ «مغربيين يقطنونها، وإنّه لا وجود لشعبٍ صحراوي». في محاولةٍ لإبراز ما عدّه تشابهاً في المعاناة بين الشعبين الفلسطيني والصحراوي المقيم في الصحراء الغربية، حيث «تمنع المغرب الزيارات إلى هناك على أيّ صحافي أو كاتب أو حتى مجرّد زائر».

وتبعاً للاستفادة من دروس التاريخ والسياسة، حضر التركيز على فكرة جدوى المقاومة، وحركات التحرّر الوطني، طالما أنّ القانون الدولي لا يحمي الجميع. وعليه، حضرت معركة «طوفان الأقصى» كعنوانٍ ودليلٍ لكل من يريد التحرّر، لها ما قبلها وما بعدها. فرأى خبير القانون الدولي والمستشار قاسم حدرج، أنّ معركة الطوفان «انتقلت بالقضية الفلسطينية من قضية تعني أهلها وبعض الداعمين، إلى قضية ولدت من جديد ببعد عالمي». والواضح أنّ الاستفادة من اللحظة السياسية هذه أمر لا بد منه، وتضعه ممثلية «البوليساريو» في حساباتها.

اجتماعياً، أضاءت الأمينة العامة لـ«اتحاد المرأة الصحراوية»، الشابة سيني، على دور المرأة الصحراوية في تنظيم مخيّمات اللجوء وقيادتها، مؤكدة أنّ «النظام المغربي سيظلّ يُعاني من نضالات الصحراويات في الأراضي المسيطر عليها مغربياً، كما في خارجها».