في هذه الفترة بالتحديد، أي في عيدي «رأس السنة»، و«الميلاد»، كنا نشاهد سنوياً تخصيص القنوات التلفزيونية مساحات إنسانية، تعرض حالات إجتماعية صعبة، وتسعى الى مساعدتها. طبعاً، هذه البرامج التي تطل حصراً في هذه الفترة، كانت أحياناً تسلّع هذه الحالات تلفزيونياً من دون أن تحترم خصوصيات الأفراد. هذا العام، اختلف جذرياً عمّا قبله، بفعل الظروف السياسية والأمنية والإقتصادية الصعبة التي تمرّ بها البلاد. صحيح أن نسبة الفقر المرتفعة لا تعود الى أحوال الشهرين الماضيين، لكن غالبية القنوات، من ضمنها lbciو mtv و«الجديد»، تحوّلت الى وسائل إعلام تولي إهتماماً بالمعوزين وتعرض حالاتهم الإنسانية الصعبة. هذا الأمر جاء بعد مراحل عدة مرّت بها القنوات، التي انتقلت من النقل العشوائي لكلام المتظاهرين الذي يقع غالبه في عرض ظروفهم الحياتية الصعبة، من دون أن «تقرّش» هذه الصرخات، مروراً بفتح ملفات الفساد، واستعصاء الوصول الى المحاسبة، الى عرض الحالات الإنسانية، وفتح باب المساعدة العينية والمادية لها اليوم. في واقع الأمر، بدأ الموضوع مع اقدام ناجي الفليطي من «عرسال» على الإنتحار، وانتشار رواية تجزم بأنه انتحر لأنه كان عاجزاً عن شراء «منقوشة» لابنته. وقتها، اكتشف الإعلام الفقر في البلدة البقاعية، وتحوّلت الأنظار بعدها الى طرابلس، والأحياء المعدمة داخلها، سيما بعد وقوع سقف منزل على شقيقين هناك. وكان لافتاً، تركيز mtv، مثلاً على عاصمة الشمال، واللافت أكثر إسراع السفير الإماراتي في ​لبنان​ ​حمد الشامسي​ إلى تقديم المساعدة المباشرة بعد لحظات من عرضها على الهواء. هذا ما تكرر أيضاً، ليلة الثلاثاء مع برنامج «منّا وجر» الذي أطلق بدوره مبادرة Hope makers، بالتعاون مع جمعية «بنين» لمساعدة هذه الحالات، وقد عرض حاجة شقيقتين لسماعات. وهكذا، بدأ خلال دقائق، هطول «الملايين» وأبرزها من السفير الإماراتي من خلال جمعيته الخيرية التي تبرعت بهذه السمّاعات للفتاتين وسط تصفيق حار في الاستديو. «الجديد» أيضاً، لم تكن في منأى عن هذه الموجة، إذ عرضت أخيراً، عبر تقارير مصوّرة، حالات إنسانية صعبة ومنسية. وجرى التأكيد وقتها، على أن هؤلاء ليسوا صنيعة اليوم، بل إنّ أوضاعهم صعبة منذ سنوات طويلة، لكنها منسية ومهملة من قبل الدولة. أخيراً، أطلقت lbci مبادرة أيضاً ضمن برنامج «نحنا معك»، وفي مناسبة الأعياد القادمة. مبادرة تصب في هذا الإطار، من خلال دعويين، الأولى تختص بأصحاب الحالات، حيث يوضع رقم هاتفي للتواصل، والدعوة الثانية لأصحاب المهن الذين يبغون المساعدة وتقديم العون.
إذاً، تطغى على الشاشات اللبنانية حالياً المبادرات الإنسانية، التي تغّير موعدها هذا العام، بفعل الحدث السياسي وتفاقم الأزمة الإقتصادي. وعلى أهمية هذه المبادرات التي لا تكفي طبعاً لتغطية جزء يسير من الحالات الإنسانية الصعبة على امتداد الخارطة اللبنانية، إلا أنّ ملاحقة ملفات الفساد، ربما تشكل الخطوة الأهم، إلى جانب استعادة الأموال المنهوبة، والمحاسبة عبر القضاء النزيه، كي تعاد الحقوق الى أصحابها، لا أن تفقّر الناس أكثر، وتُساعد ظرفياً، من دون أن نحفر عميقاً في السيتسم اللبناني الفاسد.