الأحداث المتلاحقة في لبنان التي تتغير من يوم الى آخر، في توليد الظواهر، لم يستطع الإعلام اللبناني اللحاق بها، أو حتى استباقها، سيما تلك المتعلقة بالجوانب الإجتماعية والانسانية. لطالما حكمت الظرفية سلوك وسائل الإعلام، لكن اليوم تعلو هذه النسبة، مع حدوث حالات الإنتحار الفردية. علماً أن الإحصاءات تفيد بأن كل يومين ونصف اليوم، ينتحر شخص واحد، لكن الظروف التي يمرّ فيها لبنان وأزماته المتعاظمة، تلعب دوراً أساسياً في القاء الضوء اكثر على هذه الحالات وفلشها إعلامياً، ومحاولة تأويل أسباب حدوثها، أو حتى إطلاق أحكام جاهزة ربطاً بالأزمة الحالية، بخلاف ما يؤكده علم النفس بأن المنتحر يقدم على فعلته بعد تراكم كبير لمعاناته الخاصة، وتزيد الأزمات الإقتصادية والإجتماعية من نسب حدوث الإنتحار. أمس، ومع انتحار كل من داني أبي حيدر، والعنصر في قوى الأمن الداخلي أنطونيو طنوس، بعد ناجي الفليطي في عرسال، توجهت الأنظار على الفور بعد التعبير عن النقمة إزاء ما يحدث، الى تداعي جمعيات وحتى أفراد بادروا على الفور الى نشر أرقام جمعياتهم ووضعها في متناول الجميع، وعلى رأسها جمعية Embrace، التي أعادت نشر خطها الساخن. ولفتت الى أن الكلفة المالية غير مطلوبة من المتصل. حركة السوشال ميديا كانت خير دليل على موجة جديدة أسهمت فيها الضجة التي أثيرت حول المنتحرين وأوضاعهم المعيشية الصعبة. لكن على الإعلام الذي لم يعرف كيفية التعاطي مع عوائل المنتحرين أو أقله يجري مسافة من الحدث الساخن، سرعان ما لجأ الى الإستعانة بمجموعة اختصاصيين نفسيين استضيفوا على الشاشة.
فكما دفع انتحار ناجي الفليطي بعض الإعلام الى اكتشاف أحزمة البؤس والفقر في عرسال والمحيط، وعرض الحالات الإنسانية الصعبة، وتصوير بيوتها الرثة التي لا تصلح حتى للعيش فيها، دفع انتحار داني أبو حيدر، وسائل الإعلام الى طرح قضية الإنتحار ومحاولة نشر الوعي بين صفوف اللبنانيين للحدّ من انتشار هذه الظاهرة. في نشرة الأخبار على على lbci أمس، أطلت المدربة في جمعية Embrace، رنا سبيتي، لتناول القضية، ولتؤكد أن عملية الإنتحار ليست وليدة ساعتها، بل هي نتيجة اضطرابات نفسية ومعاناة كبيرة للمنتحر. ولفتت الى أننا لا نعيش حالياً ضمن تكاثر حالات الانتحار بما أن الأعداد غير مطردة، مقارنة بالأعوام الماضية بل ما يجري فقط هو القاء الضوء عليها أكثر من خلال الإعلام. الجمعية نفسها حضرت بدورها، أمس على «الجديد» ضمن «يوميات ثورة» مع استضافة الاختصاصية النفسية ميا عطوي. عطوي التي أفردت لها مساحة 19 دقيقة، صوبت في جزء من حديثها على الإعلام الذي ــــ من خلال تغطيته السلبية لأحداث الإنتحار ـــ يشجع بطريقة غير مباشرة على الإقدام على الإنتحار (تصوير المكان وطريقة الإنتحار). طبعاً، عُمل هنا، على قطع كلام عطوي والإنتقال الى تغطية ميدانية، لكن في الإجمال عادت وأكدت أنّ الأزمة الإقتصادية ليست سبباً أساسياً في الإنتحار كما يشاع، في تقاطع مع زميلتها. لكن يبقى، اللافت هنا، ما قاله نيشان ديرهاروتيونيان في البرنامج عن أن سبب استضافة اختصاصية نفسية يعود الى مجموعة تغريدات دعت المحطة الى تخصيص هذه المساحة، بدل أن يكون العمل تلقائياً وحتى استباقياً نظراً لما تفرزه الأزمات الحالية والمتراكمة من ظواهر واحداث مأساوية!