أن تكتب رواية «بيست سيلر» ورطة، وأن تكتب رواية «جادة» ورطة أخرى. أما محاولة الجمع بين الورطتين مع التملّص من النتائج السلبية لكلتيهما، فتلك هي المعضلة. يبدو الأمر أشبه بمحاولة توازن عبثيّة على حبلين مختلفين. جمهور كتب القوائم الأكثر مبيعاً لا يكترث لسويّة العمل الفنية معظم الأحيان، فيما الهمّ الأكبر لجمهور روايات الجوائز أن تقدّم عملاً غير مسبوق، فنياً وأدبياً. في كل الأحوال، الناشر هو الرابح الأكبر. أما الكاتب فسيتأرجح بين التقريع المدمر والمديح المفرط.لا نستطيع الإنكار بأنّ «دار الشروق» القاهرية أقدمت على مغامرة كبيرة عند نشرها رواية أحد الكتّاب الجدد الذين دخلوا حلبة «البيست سيلر» منذ سنوات.
المصري أحمد مراد (1978)، هو الحصان الأسود لـ «الشروق»، مع روايته «الفيل الأزرق» (2012) (بطبعتها السابعة عام 2014). أحمد مراد ليس بهاء طاهر، وليس يوسف زيدان. هنا تكمن المغامرة. ولا نستطيع أن ننكر كذلك بأنّ لجنة تحكيم جائزة «بوكر» هذا العام ساهمت، مع إدخالها هذا الرواية إلى القائمة القصيرة، بالاعتراف المتأخّر ربما بالنمط الأدبي الجديد الذي كان، لعقود، بمثابة «أدب ملعون» لا يستحق اعتراف «الكهنة» الرسميّين.
قد تبدو أجواء الرواية الغرائبية الموغلة في عوالم الميتافيزيقيا والسحر وبواطن السيكولوجيا البشرية جديدة لمعظم متابعي الروايات الأخرى «الجادة»، روايات الجوائز والحفلات الرسميّة. لكنّ واقع الحال يشير إلى أنّها ليست جديدة إلى هذا الحد. يبدو أحمد مراد في روايته هذه بمثابة نسخة أخرى لأحمد خالد توفيق، العرّاب الفعلي لهذا النمط من الروايات. قد نختلف في تقويم الأفضل بينهما، أو الأنضج، لكن لا يمكن لنا أن نطرد صورة أحمد خالد توفيق من خلفيّة المشهد. «فيل» أحمد مراد تكملة، بمعنى ما، لروايتي توفيق «يوتوبيا» (2008)، و«السنجة» (2012)، ولسلسلته الشهيرة «ما وراء الطبيعة». الفارق الوحيد، ربما أنّ «السنجة» لم تمتلك الحظ الذي امتلكته رواية أحمد مراد لتدخل جنة «بوكر»، رغم كونها أهم وأفضل بمراحل من «الفيل الأزرق».
استخدم أحمد مراد كلّ الحيل الكتابية لجذب القارئ، وهذا ما نجح فيه فعلاً. لكننا هنا سنكون أمام سؤال فنيّ مهم: هل وظيفة الأدب هي الإجابة على سؤال «ماذا حدث بعد ذلك؟» أم «كيف أو لماذا حدث ما حدث؟». بمعنى آخر، ثمة فارق كبير بين أن تحكي حكاية وأن تكتب رواية. المأزق الأكبر أن تكتب رواية وأن تحتفظ، في الوقت ذاته، بإيقاع التشويق حتى نهايته. هل ثمة غنيمة سيكسبها القارئ بعد إنهائه لرواية «الفيل الأزرق»؟ أجل: الإثارة والتشويق والمتعة... من دون أي شيء آخر. سيُنهي القارئ قراءته، وينطلق إلى حياته مجدداً، ويترك الرواية، كما فعل البطل حين ترك الجريدة في التاكسي، لقارئ آخر لعلّه يتورط في فخ المتعة. سيكون منتشياً بالتأكيد، لكنه سيتناسى إضافة هذه الرواية إلى الروايات الأخرى في رفوف مكتبته الشخصية.
أحمد مراد : «الفيل الأزرق» ــ دار الشروق، القاهرة
1 تعليق
التعليقات
-
أحمد مراد نموذج لرجل الأعمالأحمد مراد نموذج لرجل الأعمال في بيزنس الكتابة .. تحول العمل الفني لمادة تجارية بيؤدي بالضرورة لظهور مثل هذا النوع .. من الواضح اتجاة الشباب في العالم العربي و مصر تحديداً إلىَ القرائة بعد بيان انها المصدر الرئيسي للثقافة , بالتالي أصبح الإتجاة العام في بلد كثيفة السكان مثل مصر و من الواضح ان هؤلاء القراء الجدد يحتاجون إلىَ ما يلبي طموحهم و قدراتهم , ليستطيعوا إكمال الصفحات , لهذا يأتي دور الكاتب ذو الأسلوب التشويقي الممتلئ بهارات تماما مثل أول تعامل مع الصحيفة يتجه الأطفال إلىَ الطرائف و الرسوم الملونة ثم شيئاً فشيئاً إلىَ المقالات الجادة .. و علىَ الرغم من هذا فالفيل الأزرق كانت المبالغه هي أساس الرواية , المبالغة في كل شئ و التي تعطي أفق محبب للقارئ و بالتالي فلا عجب من سيطرتها علىَ عالم المراهقين و الفئة الأكثر إقبالاً علىَ دور السينما في العالم العربي .. هذة الرواية تصح معاملتها كفيلم سينيمائي من أفلام المقاولات .. إلا ان مراد ولا شك يحمد له منظر شباب و مراهقين كثر يحملون الصفحات في أعتزاز و فخر .. تاركين أجهزتهم الإلكترونية جانباً :)