تتكاثر التحليلات والتقديرات في لبنان تبعاً لتكاثر التهديدات والإيحاءات الواردة من تل أبيب بأن الحرب الإسرائيلية الشاملة باتت وشيكةً ما لم يرضخ حزب الله للإملاءات.لو كانت إسرائيل في موقع الجهة التي تحسم وتغيّر الواقع والمعادلات بينها وبين لبنان عبر الحرب والخيارات العسكرية، كبرت أم صغرت، لما كان مبعوث الإدارة الأميركية عاموس هوكشتين، ليبادر إلى لقاء مسؤولين لبنانيين، بل كان أبلغهم من بعيد أن في إمكانهم مهاتفته عندما تصبح المقاومة جاهزة لتنفيذ الإملاءات الإسرائيلية.
أيّ تحليل أو تقدير لا يتوافق مع هذه الخلاصة مشكوك في صحته، وربما أيضاً في خلفيته. صحيح أن الحرب الشاملة غير مستحيلة، ولكن التقدير بأنها وشيكة ومرجحة هو تقدير زائد عن حدّه.
وصل هوكشتين أمس إلى لبنان، بعد زيارة استمرت يوماً واحداً في فلسطين المحتلة، وُصفت بـ«العاجلة»، التقى خلالها رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه يوآف غالانت، ورئيس الدولة إسحاق هرتسوغ، وكلاً من رئيس المعارضة والوافد الجديد إليها، يائير لابيد وبني غانتس، إضافة إلى لقاءات مع مسؤولي المؤسسة الأمنية.
عنوان الزيارة، كما تردد في الإعلام العبري، هو خشية واشنطن من استمرار تصاعد المواجهة على الجبهة اللبنانية، وإمكان أن تتدحرج إلى مواجهة شاملة من شأنها أن «تضرّ الجانبين». ومنشأ الخشية المعلنة هو سلسلة من محطات تبادل النيران وتوسعة رقعة العمليات والاستهدافات والضربات الموسعة والنقطوية، مع إدخال حزب الله أسلحة جديدة ونوعية في الميدان قياساً بما كانت عليه في الأشهر الأخيرة، إضافة إلى التصاعد، في المقابل، في اعتداءات إسرائيل، كماً ونوعاً، وآخرها استهداف القائد في المقاومة طالب عبد الله (أبو طالب).
وكشفت الزيارة حجم الضغوط التي تشكلها ضربات المقاومة على كيان العدو وجعلته أمام خيارات ضيقة، ليبادر إلى رفع مستوى اعتداءاته بما يمكن أن ينقل الحرب إلى طبقة أعلى مما هي عليه الآن، ما يجعل المواجهة الشاملة موضع تقدير لدى مراكز القرار، خصوصاً أن المخرج الوحيد أمام العدو لإنهاء الحرب المحدودة مع حزب الله هو الموافقة على اتفاق يؤدي إلى وقف الحرب على غزة.
تعدّ الزيارة والتهديدات الإسرائيلية المواكبة لها إشارات دالة على قرب انتهاء المواجهة نفسها


سبق زيارة هوكشتاين لتل أبيب وواكبها وأعقبها كمّ هائل من التصريحات والمواقف والتعليقات العبرية التي هددت، أو أوحت، بأن رفض المقاومة إملاءات إسرائيل سيقود إلى حرب لفرض هذه الإملاءات. وأشبع المسؤولون الإسرائيليون الإعلام العبري تصريحات وتسريبات وتعليقات من مصادر مسؤولة ورفيعة، تركز على إمكانية الحرب ورجحانها، في حال لم ترضخ المقاومة لمطالب إسرائيل، ليعود بعضها إلى بداية التهديدات، ويطالب بانسحاب حزب الله إلى ما بعد الليطاني. وإن جرى لاحقاً «التنويه» بأن التصريحات «الحربية» والتعليقات ليست مقدمة لإعلان الحرب، بل للحيلولة دونها.
في السياق، يجب التركيز، ضمن معطيات التقدير، على أن الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة قد وصلت إلى مفترق، وعلى صاحب القرار في تل أبيب أن يحدد خياراته التي لن تكون بعيدة عن واحد من اثنين: الاستمرار في الحرب وإن تحوّلت إلى حرب استنزاف، وهو ما لا يريده وربما أيضاً لا يقوى عليه جيشه؛ أو إنهاء الحرب بعد الإعلان عن نصر (موهوم) فيها، كما يطالب الجيش نفسه.
ويبدو أن خيار انتهاء الحرب أقرب إلى الإمكان من خيار استمرارها، خصوصاً بعد الانتهاء من عملية رفح التي ما بعدها، تقريباً، «صفر أهداف» ميدانية. ما يعني مواجهة استحقاق مؤجل، نتيجة الحرب في غزة، بات هو التهديد الأبرز لإسرائيل بعد ثمانية أشهر من حرب غزة: المواجهة على الجبهة اللبنانية.
زيارة هوكشتين التي منشؤها الخشية الأميركية من تحول المواجهة المحدودة بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة إلى مواجهة شاملة، على خلفية التصعيد على الجبهة اللبنانية أو على خلفية قرب اتخاذ قرار إنهاء الحرب في غزة، لا تغيّر من حقيقة أن الزيارة فرصة لإسرائيل لتفاوض لبنان عبر التهديدات والإيحاء بالحرب الشاملة، خدمة وتمهيداً للمفاوض الإسرائيلي على ترتيبات اليوم الذي يلي المواجهة.
على هذه الخلفية، تعدّ الزيارة، والتهديدات الإسرائيلية المواكبة لها، المباشرة وغير المباشرة، إشارات دالة على قرب انتهاء المواجهة نفسها، أكثر من كونها إشارة إلى إمكان توسعتها إلى مواجهة شاملة.