في وقت تلبّي القوى السياسية دعوات لزيارة الدوحة، في إطار المحاولات القطرية لإحداث خرق ما في الملف الرئاسي، زار الموفد القطري أبو فهد جاسم آل ثاني بيروت مطلع الأسبوع الفائت، لثلاثة أيام، التقى خلالها عدداً من القوى السياسية، أبرزها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وممثل عن «التكتل السياسي المستقل»، وآخر من نواب التغيير. وبحسب مصادر مطّلعة، استكمل أبو جاسم البحث في «إمكانية توليد حركة سياسية داخلية غير مستفزّة تؤدي إلى فتح أبواب مجلس النواب لحوار وطني برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري». ووضعت مصادر مطّلعة «الليونة» التي أبداها الجميل للحوار أمام الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، وكلام باسيل في إطلالته الإعلامية الأخيرة عن تأييده للحوار في هذا السياق. ويحاول الموفد القطري، وفق المصادر، «الاستفادة من حصيلة اجتماعات كتلة الاعتدال الأخيرة ومن حراك الحزب التقدمي الاشتراكي والجولة التي بدأها اللقاء الديمقراطي على القوى السياسية»، مشيرة إلى أن الدوحة تراهن على «استمالة جزء من المعارضة كحزب الكتائب، وجزء من النواب السنّة، إضافة إلى باسيل، ما سيُحرج القوى السياسية الأخرى الرافضة للحوار وفي مقدّمها حزب القوات».وفي غياب الأفق لأي حلّ سياسي قبل انتهاء الحرب على غزة، تضع المصادر زيارة «أبو فهد» في إطار «تأكيد الحضور القطري»، في حين ذهبت مصادر أخرى أبعد من ذلك بالإشارة إلى «محاولة قطرية لاستفزاز الرياض التي يُنقل عنها انزعاج كبير من الدور المُعطى لقطر»، خصوصاً في ظل تسريبات عن استمرار الأخيرة في الدفع إلى مشروع «الدوحة 2»، وهو ما كان موضع نقاش مع القوى السياسية التي زارت قطر أخيراً. كذلك لفتت إلى «التمايز في المواقف بين الموفدين القطريين»، كما بات واضحاً لجميع الأطراف اللبنانية التي تلتقيهم، إذ إن «ما يردّده الموفدون السياسيون الدائرون في فلك الخارجية القطرية، يختلف عن كلام الموفدين الأمنيين مثل أبو فهد، خصوصاً لجهة الغوص في تفاصيل سبقَ أن اتُّفق على تجاهلها حالياً، منها طرح أسماء مرشحين، ودعم أكثر من مرشح. ففيما يروّج وزير الخارجية القطري محمد عبد العزيز الخليفي لاسم وزير الخارجية السابق ناصيف حتّي، لا يزال أبو فهد يتبنى اسم المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري». وتضع المصادر هذا التضارب في إطار «صراع قطري داخلي بين الجناحين الأمني والسياسي، وسعي كل منهما إلى تحقيق تقدّم في الملف اللبناني لتقديم أوراق اعتماد للقيادة القطرية وكذلك للأميركي». وتحيط بالدور القطري في لبنان إشكالية أخرى تتعلق بـ«استياء بعض الأطراف اللبنانية من الاستعانة القطرية برئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني باسل الحسن، الذي يحضر أحياناً في لقاءات أبو فهد، لعدم ثقة هذه الأطراف بالحسن وعدم فهم معنى حضوره هكذا اجتماعات».
لمست الأطراف السياسية تمايزاً في المواقف بين الموفدين القطريين أنفسهم


وتتوقّف مصادر متابعة عند اختلاف المقاربة القطرية للملف اللبناني، مقارنة مع ما كانت عليه عام 2008، في أعقاب اتفاق الدوحة. ففي حينها نتج عن الاتفاق الإتيان بميشال سليمان رئيساً للجمهورية، من دون أن يكون لقطر دور أبعد، فيما هي اليوم، «تتحمّس للعب دورٍ في الملف، انطلاقاً من رغبتها في أن تكون لديها حصّة من البلد وقطاعاته، بدءاً من الغاز، مروراً بسؤالها عن القطاع المصرفي ودمج المصارف المتعثّرة، والتفكير في استثمارات في قطاع السياحة».
ولا تزال قطر تستقبل قوى سياسية، آخرُها وفد من حزب القوات ضمّ النائبين ملحم رياشي وبيار بو عاصي. أما الزيارة المفاجئة للنائب علي حسن خليل فأتت في سياق آخر، رغم تردّد معلومات عن محاولة وزير الخارجية القطري جمع خليل ورياشي في مكتبه، واعتذار الأخير، بينما نفت مصادر قريبة من الرئيس بري ذلك، مشيرة إلى أن «زيارة خليل للدوحة ترتبط بالوضع الأمني جنوباً والتطورات في غزة، أما الملف الرئاسي فكان هامشياً».