المقاومة في لبنان ليست معنية بإسناد المقاومة في غزة ومنع الاستفراد بها فقط، بل أيضاً منع إسرائيل من استعادة ردعها على الجبهة الشمالية وترميمه، واستهداف كل العناصر التي تسمح للعدو بفرض أي مستوى من مستويات الحسم (الجزئي أو الكلي) في المجال التكتيكي أو التعبوي أو الاستراتيجي، فضلاً عن ردعه عن القيام بعملية برية واسعة ضد لبنان.وخلال الأشهر الثمانية الماضية، أجرى جيش الاحتلال تغييرات عديدة لناحية الترتيب والانتشار والجهد والاستعداد العام في المنطقة الشمالية. وبحسب قراءة لـ«الوضعية العامة في منطقة مسؤولية القيادة الشمالية لجيش العدو»، أصدرها «مركز دراسات غرب آسيا»، فقد أعاد العدو تشكيل قوتين جديدتين في الجبهة الشمالية، كل منهما بحجم فرقة. تضم الأولى كلاً من: اللواء 188 المدرع، اللواء 205 المدرع، لواء الاحتياط 8 المدرع، لواء الاحتياط المظلي 226، لواء الكوماندوس 551، والفوج 209 المدفعي، فيما تضم الثانية: لواء احتياط المشاة الثالث، اللواء 810 الإقليمي، لواء مشاة الاحتياط التاسع، والفوج 213 المدفعي الاحتياطي. وترافقت إعادة التشكيل هذه مع إبقاء الفرق الأربع التابعة لقيادة المنطقة الشمالية (36-91-210-146) على استعدادها، وهو ناقص أصلاً بنسبة 55%، ما يوحي بأن العدو أنشأ الفرق الجديدة لهدف عملاني غير محدّد. إلا أن تقارب طبيعة القوة الجديدة (مدرعات + كوماندوس) يقوّي ترجيح استخدامهما لجهد رئيسي هجومي، إذ يبدأ الانتشار التعبوي من الحافة الأمامية إلى عمق 3-4 كلم، وهناك تنتشر، نحو خمس كتائب بعديد يصل إلى 2500 ضابط وجندي على طول الجبهة مع لبنان. ويعبر من خلف الحافة إلى حدود عمق 6 كلم حيث تنتشر 4 ألوية، ويصل إلى عمق ما بين 6 كلم إلى 15 كلم حيث تنتشر 5 ألوية.


ما خلا ذلك، لا تعديل يُذكر في الترتيب والانتشار والجهد والاستعداد العام في المنطقة الشمالية، باستثناء إخلاء 90% من الثكنات والمواقع الكبيرة التي تعاني من الاكتظاظ، والتي تتعرض بشكل يومي للاستهداف على طول الحافة من الناقورة إلى مزارع شبعا. ولا يتعدى الاستعداد المنتشر على الحدود أكثر من 5 كتائب. بل سُجّل تراجع في تحليق طائرات الاستطلاع الكبيرة، والاكتفاء بنشاط تلك الصغيرة التي تحلّق على شكل تشكيلات من 3 أو 5 أو 7 طائرات مع استمرار نشاط الاستطلاع المأهول فوق الجولان والجليل الأعلى على الاتجاه اللبناني الشرقي. واستمر النشاط الجوي الحربي والمُسيّر القتالي المرتفع على الاتجاه اللبناني ككل، مع تركيز على كامل الجنوب والساحل اللبناني الممتد من الناقورة حتى الحدود اللبنانية - السورية، وذلك لأهداف استطلاعية وهجومية تأتي في بعض الأحيان على شكل دوريات تناوب لأهداف تتعلق بسرعة قصف الأهداف الجديدة المتولّدة، وسرعة التصدي لوسائط جوية منطلقة من لبنان إلى أجواء فلسطين المحتلة، والاستطلاع الفوري وتوليد صورة موقف عملياتي فوري. مع تسجيل تركيز كبير ومكثّف لنشاط الاستطلاع المُسيّر التجسسي على منطقة شمال النهر حتى حدود صيدا امتداداً إلى إقليم التفاح ومناطق الجبور وأبو راشد في البقاع الغربي، لأهداف استطلاعية ميدانية ترتبط برصد أي نشاط للمقاومة مرتبط بجنوب النهر أو بنفس منطقة شمال النهر.
من جهته، واصل حزب الله عملياته اليومية. وفي تحليل لعمل الحزب، يظهر تنوع التكتيكات، مع اعتماده على الضربات المركّبة التي تجمع بين أنواع مختلفة من الأسلحة (صواريخ، مدفعية، مُسيّرات) لإرباك العدو وتحقيق أقصى ضرر. كما تركّزت العمليات على «الإصابات المؤكدة» وتدمير مبانٍ وتجهيزات عسكرية محددة، ما يعكس تطور القدرات الاستخباراتية ودقة الاستهداف. وبالإضافة إلى الرد على الاعتداءات الإسرائيلية، اعتمد حزب الله على «الضربات الوقائية» لاستهداف تجمعات جنود ومواقع عسكرية في العمق، ما يُعقّد حسابات العدو ويُحد من حركته، إضافة إلى تنوّع الأسلحة المستخدمة (من الكاتيوشا إلى المُسيّرات الانتحارية وصواريخ «فلق»)، مع تسجيل دقة في الاستهداف بفضل فعالية الأسلحة المُستخدمة. كما يُظهر استهداف مواقع عسكرية إسرائيلية وتجمعات جنود للعدو في العمق، قدرة حزب الله على جمع المعلومات الاستخباراتية بفعالية وتحليلها لضرب أهداف حسّاسة.
عكست العمليات قدرة حزب الله على جمع معلومات من مناطق جغرافية واسعة تشمل العمق الإسرائيلي حتى ميناء حيفا


على الصعيد الاستخباري، أظهر أداء حزب الله استهدافاً دقيقاً لمواقع عسكرية حساسة، ما يشير إلى وجود معلومات استخبارية دقيقة. كما عكست العمليات قدرة الحزب على جمع معلومات من مناطق جغرافية واسعة، تشمل العمق الإسرائيلي حتى ميناء حيفا، إضافة إلى نجاحها في اختراق الحدود الجوية وجمع معلومات عبر المُسيّرات، ما عكس أيضاً القدرة على تجاوز أنظمة المراقبة لدى العدو. واللافت أن بعض العمليات أظهرت قدرة حزب الله على التنبؤ بتحركات العدو واستهدافه بشكل استباقي، ما يُشير إلى تحليل دقيق للأنماط والسلوكيات الإسرائيلية.
وفي ما خصّ الأداء العملياتي، أظهرت العمليات تنسيقاً جيداً بين الوحدات العسكرية المختلفة (صواريخ، مدفعية، مُسيّرات)، ما يُشير إلى قيادة مركزية فعّالة وتواصل سلس، إضافة إلى سرعة ومرونة ظهرتا من خلال الرد بسرعة على الاعتداءات الإسرائيلية وتغيير التكتيكات وفقاً لتطورات الميدان. وإذا ما وُضعت هذه الميزات إلى جانب الاستخدام الفعّال للمُسيّرات الانقضاضية والاستطلاعية التي ساهمت في التطور الكبير في قدرات المقاومة لفعاليتها في إلحاق الضرر بالعدو وجمع المعلومات عنه، يكون التأثير النفسي لحزب الله مرتفعاً من خلال إشاعة الخوف والقلق في صفوف العدو ومستوطنيه، الأمر الذي ظهرَ جلياً في ردود أفعال الإسرائيليين على مختلف مستوياتهم بعد فشل نظام الدفاع الجوي في اعتراض مُسيّرات حزب الله، وظهور تصريحات متناقضة حول سير العمليات في الجبهة الشمالية، مروراً بإخلاء بعض المستوطنات الشمالية الإضافية مع تهديدات متكررة بالانتقام من حزب الله، وصولاً إلى السعي لإقناع المجتمع الدولي بالتدخل لوقف عمليات الحزب.