لن تكون «حظوة» صندوق تعاضد أفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية من موازنة عام 2022، أكثر من حجرة تسند «خابية»، و «طاقة أمل» لأستاذ تآكل راتبه، وهُدّد أمنه الصحي والاجتماعي. ستقلص الـ150 مليار ليرة (الموازنة الجديدة للصندوق)، كما يقول مدير الصندوق الدكتور الياس حداد، الفارق الشاسع مع التعرفة الحقيقية المستوفاة من المستشفيات والمختبرات والمراكز الصحية، «لكننا سنبقى بعيدين عن تغطية هذه الفروقات بشكل كامل، ولن يزول الخطر المحدق بالتغطية الصحية في ظلّ الارتفاع الجنوني في تسعيرة الأعمال الطبية الاستشفائية والفحوص المخبرية وأسعار الدواء».يشكل صندوق التعاضد الركيزة الأولى للأمن الاجتماعي والصحي لأساتذة الجامعة، وهو مسؤول اليوم عن تأمين الطبابة والاستشفاء لما يقارب 11 ألفاً، بين منتسب وبين مستفيد (هذا الشهر بلغ عدد المنتسبين 3290 أستاذاً وعدد أفراد العائلة وذوي العهدة 7500 شخص، وهو رقم متغيّر ومرتبط بنسبة حالات الوفاة وازدياد طلبات الاستيداع التي يقدمها الأساتذة).

مفاوضات عسيرة
المفاوضات لرفع موازنة الصندوق (والتي بلغت عام 2021، 31 مليار ليرة بحسب آخر موازنة مصدّقة من وزارتَي التربية والمال) كانت عسيرة، وكان على الصندوق، بحسب حدّاد، أن لا يستسلم ويسعى للوصول إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه لمواكبة الزيادات التي طرأت على تعرفات تعاونية موظفي الدولة بما أنه يعتمدها في الأعمال الطبية داخل المستشفى «IN»، وعلى تعرفات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التي يعتمدها في الأعمال التشخيصية من صور وتحاليل في المستشفيات والمراكز والمختبرات أو ما يسمى بالـ«OUT». يقول حداد: «مارس رئيس وأعضاء مجلس إدارة صندوق التعاضد والهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة ورئيس الجامعة مع عدد من النواب الزملاء، وعلى غرار الجهات الضامنة الأخرى، ضغوطاً لدى وزارة المال واللجان النيابية لرفع مساهمة الدولة في موازنته بعدما كانت الموازنة المرصودة في مشروع الموازنة المقدّم من الحكومة 101 مليار». مع الموازنة الجديدة، يمكن للصندوق أن يجاري تعاونية الموظفين التي زادت، في الأول من تموز الماضي، تعرفة الأعمال الطبية الاستشفائية وأتعاب الأطباء وتعرفات علاجات الأسنان، بحيث أصبحت التعرفة تعادل أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل الأول من آب2021، أي قبل زيادة نسبة الـ70 %.

فروقات خيالية
لكنّ حداد يوضح أن الصندوق يتبع ضوابطَ معينة في التغطية لا يستطيع أن يتجاوزها، فهو يغطي 90% من التعرفة الرسمية في المستشفيات للأستاذ وعائلته، و75% لذوي العهدة، و85% من التعرفة الرسمية للأعمال الطبية الخارجية (OUT) في المستشفيات والمختبرات والمراكز الصحية و60% لذوي العهدة.
لا يخفي حداد كيف وُضع الأستاذ الجامعي، أخيراً، في ظروف دقيقة اضطرته في أحيان كثيرة لرهن منزله أو بيع سيارته أو مصاغ أولاده، أو الاستدانة، أو حتى اللجوء إلى المؤسسات الاجتماعية، لدفع فروقات تكاليف عملية جراحية أو متابعة علاجات في المستشفى، «بات الأستاذ يدفع فروقات للمستشفى تُراوح بين 10 و50 مليون ليرة (وذلك عن الأعمال الجراحية التقليدية) وبين 150 و250 مليون ليرة عن الأعمال الجراحية الأكثر صعوبة»، كعمليات القلب المفتوح. على سبيل المثال فإن فروقات عملية ولادة طبيعية مثلاً يمكن أن تبدأ بـ600 دولار، وتصل إلى 2000 دولار في بعض المستشفيات.
يضاف إلى ذلك، معاناة الأساتذة المتقاعدين الذين أفنوا حياتهم في خدمة الجامعة والمجتمع، وهم اليوم الأكثر عرضة للمرض، عدا الصعوبات التي يواجهونها كما زملائهم في الخدمة في سحب رواتبهم والمساعدات المرضية ومنح التعليم (والتي تراجعت قيمتها بشكل كبير وخصوصاً بعد زيادة الأقساط واستيفاء جزء منها بالدولار من المصارف).

سعر الدواء مضروباً بـ25
يشير حداد إلى أن صندوق التعاضد فقد القدرة على مواكبة الارتفاع الحاد في أسعار الدواء، فهناك دواء تضاعف سعره 15 مرة وآخر 25 مرة، و«لم تعد للصيدليات التي نبرم معها عقوداً، والتي يدفع بموجبها الأستاذ 15% من السعر مباشرة فيما يتكفل الصندوق بالباقي، مصلحة بالاستمرار في هذه الصيغة، سواء بالنسبة إلى الأمراض العادية أو الأمراض المزمنة والمستعصية». والمشكلة الكبرى، كما يقول، تكمن في الأدوية السرطانية التي يغطي الصندوق تكلفتها بنسبة 100%، وفق تعرفة وزارة الصحة، «لكن ما حصل أن جزءاً كبيراً من هذه الأدوية بقي مدعوماً، في حين أن بعض الأدوية لم تعد متوفّرة في السوق اللبناني، ويضطرّ المريض لشرائها من الخارج بأسعار مضاعفة، علماً أن الصندوق لا يزال «يفوتر» وفق تسعيرة وزارة الصحة عندما كان سعر الدواء يراوح بين 6 و10 ملايين، مع أن سعر بعض الأدوية السرطانية أصبح اليوم يلامس 20 مليوناً».
اضطرّ الأستاذ الجامعي لرهن منزله أو بيع سيارته ودفع تكاليف علاجه


هذا الواقع ينسحب، بحسب حداد، على علاجات الأمراض المستعصية داخل المستشفيات التي يخضع لها المرضى مرّة كلّ أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، وبعدما كان الأستاذ يدفع فروقات 150 ألف ليرة باتت فاتورته تلامس 6 ملايين في بعض الأحيان «وضعنا مساراً خاصاً بهذه المعاملات لتسريع وتيرة إنجازها». يلفت حداد إلى أننا «ندرس حلولاً لتغطية الدواء بسعر وسطي بين الأصلي والجنريك، تخفّف من الفاتورة، وإن كانت لا تعيد الوضع إلى ما كان عليه».

المركز الصحي أحد الحلول
رغم أن تعرفة المركز الصحي في الجامعة اللبنانية، أحد مراكز الرعاية الأولية التابعة لوزارة الصحة، ارتفعت بفعل الأزمة ليتمكن المركز من الاستمرار، إلا أن الأساتذة لا يزالون يدفعون أقلّ بـ50% من فروقات أقلّ مختبر في الخارج. من هنا، بحسب حداد، «هناك مساع من رئيس الجامعة لدعم هذا المركز الموجود في مجمّع الجامعة في الحدث مادياً وزيادة موازنته وإنشاء مراكز صحية شبيهة به في المحافظات، وبالتالي التوفير على الأستاذ عناء الانتقال من المناطق إلى المركز».

إداريّو الصندوق
يسجل حدّاد لموظفي الصندوق مواظبتهم على الحضور إلى مركز الصندوق بين 3 و5 أيام أسبوعياً، وعدم الانخراط في أيّ من إضرابات الجامعة إيماناً منهم بالبعد الإنساني لطبيعة عملهم، مشيراً إلى أن هؤلاء استطاعوا نسبياً تعويض التأخير القسري في إنجاز المعاملات الناتج عن إقفالات البلد العامة أثناء انتشار جائحة كورونا، وهم بدأوا بمعالجة المساعدات العائدة إلى شهر حزيران 2022. إلا أن الصندوق يعاني، كما يقول، من نقص في عدد الموظفين بسبب خسارتهم على مرّ السنين، وإذا كانت هناك صعوبة في التوظيف وفق المسار الإداري المعتاد، فليجرِ دعم الصندوق بالمدرّبين، على غرار ما حصل في الآونة الأخيرة، إذ انتقلت إحدى المدرّبات من الجامعة للعمل في الصندوق، ما أحدث فرقاً ملموساً في وتيرة العمل.