لن تضلّ طريق «كلية الصحة» في مجمع الحدث الجامعي، ولن تحتاج إلى إرشادات ولافتات، فكثيرون يقصدونها للوصول إلى «المركز الصحي» فيها. يعرف سكان محيط المجمع وجود ما يعرف بـ«مستوصف الجامعة» في الداخل، ويحفظون «عن ظهر قلب» الاختصاصات فيه. نترافق مع الحاج أحمد بخطواته البطيئة ونتجه سوياً نحو المركز، على الطريق يخبرنا عن عمله في مجال المصاعد، الذي أوصله إلى مرض «الديسك» قبل التقاعد. ألزمته الآلام برحلة علاجية لم يقوَ على تكاليفها، تنوّعت بين علاج فيزيائي وسباحة وبين أدوية. صار يؤجل العلاج إلى أن أقعده مرضه في الفراش، فتراجع وضعه النفسي كثيراً إلى أن وجد في المركز هنا ضالته بـ«عناية طبية على قد قدرة الفقير».
يستقبلنا على باب المركز الصحي مديره إيلي حدشيتي. نلاحظ، قبل الوصول إلى مكتبه، انشغاله بتوجيه العاملين قبل إعادة الافتتاح. المركز أصابته شظايا إضراب الجامعة اللبنانية ويستعيد اليوم أيام عمله. «مواعيده مفوّلة» بحسب حدشيتي، ويضيف «خلال جائحة كورونا اعتمدنا الموعد المسبق شرطاً للمراجعة الطبية، وقبل ذلك كان الدور هو النظام المعتمد لكثافة المراجعين». تكاد لا تصدّق كلفة مراجعة الطبيب المختص في المركز البالغة 15 ألف ليرة، أما الصور الشعاعية فأغلاها لا تتجاوز قيمتها الـ50 ألف ليرة. ما سبق جعل من المركز مقصداً للمجتمع المحيط بالمجمع، لا أهل الجامعة من طلاب وموظفين وأساتذة فقط، لتقديم «أفضل العناية بأقلّ كلفة». كما ويتعاون المركز مع الجهات الضامنة (ضمان اجتماعي، تعاونية موظفي الدولة) لتوسيع مروحة الاستفادة، بالإضافة إلى الأجهزة الأمنية المختلفة.

من الداخل
يقدّم المركز الصحي الخدمات الصحية لحوالى 3500 مراجع شهرياً، ويؤمن الأدوية بشكل مجاني لـ300 مريض بالتعاون مع وزارة الصحة وجمعيات أهلية. يؤمن سير العمل فيه طلاب الجامعة اللبنانية من أطباء وصيادلة وممرّضين وعاملين صحيين، وهم طلاب كليّة الصحة باختصاصاتها المختلفة، يشغلون جميعاً سبعة أقسام متكاملة فيما بينها: قسم العيادات الخارجية، قسم الأشعة، مختبر التحاليل الطبية، قسم العلاج الفيزيائي، قسم تخطيط السمع، قسم العلاج الانشغالي وتقويم النطق والعلاج النفسي، وقسم الأم والطفل. هذا الأخير يقدّم خدمات صحية خاصة بالمرأة وحديثي الولادة، ويؤمن اللقاحات الإلزامية مجاناً. وفي جولة على الأقسام المختلفة يمكن ملاحظة التجهيز الجيّد، والعمل الاحترافي المنظم. ففي قسم العلاج الفيزيائي مثلاً يقوم المعالج بمتابعة مريض بالتعاون مع طلاب الكلية (متدرّبين)، وفي قسم الأشعة يحاول عاملان التنسيق بين عدد من المرضى والمواعيد على آلات مختلفة في الأيام الأولى للعمل بعد إضراب موظفي القطاع العام الذي وصلت ارتداداته إلى المركز.
كما شارك المركز خلال جائحة كورونا بحملة التلقيح ابتداءً من نيسان 2021، وقام بتوزيع 45 ألف جرعة على أفراد الأجهزة الأمنية أولاً، ومن بعدها استكملت الحملة مع موظفي الجامعة اللبنانية وطلابها. وهو المركز الوحيد الذي أعطى اللقاحات الثلاثة المعتمدة من وزارة الصحة بسبب وجود الكادر المؤهل لذلك بالإضافة إلى التجهيزات اللازمة لحفظ اللقاحات لمدة من الزمن.

تحديات الأزمة
يواجه المركز تحديات كبيرة مرتبطة بالأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان، فموازنته مرتبطة بالجامعة اللبنانية، وموازنة الأخيرة تدهورت قيمتها مع انخفاض سعر صرف العملة الوطنية. العاملون فيه متعاقدون بـ«عقود مصالحة»، قضوا أكثر من ثمانية أشهر من دون رواتب بسبب إضراب القطاع العام. وأشدّ الأقسام تأثراً كان مختبر التحاليل الطبية إذ يحاول الاستمرار بالموجود، فنفقاته التشغيلية كبيرة، ولا يمكن إلغاء بعض الفحوص للتوفير.
كلفة مراجعة الطبيب المختص 15 ألفاً أما الصور الشعاعية فأغلاها بـ50 ألفاً

ويؤكد حدشيتي أنّ «الجامعة اللبنانية لم تقصّر أبداً ضمن إمكاناتها في دعم المركز، ولكننا اليوم بحاجة إلى التوجه نحو الجهات المانحة لتأمين التمويل اللازم للاستمرار»، بالإضافة إلى ذلك «نسعى إلى تطوير خدماتنا عبر إدخال تقنيات جديدة على المختبر وقسم الأشعة»، واعداً بالإعلان عنها في وقت قريب.
ويذكر أنّ المركز تأسّس عام 2015 بهدف الخدمة المجتمعية، بالإضافة إلى دوره الأكاديمي في الإعداد والتدريب. وهو مركز رعاية أولية ضمن شبكة وزارة الصحة للكشف المبكر عن الأمراض المستعصية، والحدّ من انتشار الأوبئة، ما يؤدي بالتالي إلى الحفاظ على صحة أفراد المجتمع والتخفيف من الفاتورة الاستشفائية على الدولة.



عقد المصالحة
يشكل هذا العقد الباب الوحيد للعمل في الجامعة اللبنانية بعدما أقفلت الحكومة عام 1996 باب التوظيف فيها، ولم تلحظ الشغور الذي يسبّبه بلوغ الأساتذة والموظفين سن التقاعد، ما يؤدي لاحقاً إلى إفراغ الجامعة من كادرها الإداري والتعليمي. وعليه، تعتمد الجامعة على «عقد المصالحة» للتوظيف، وهو عقد غير قانوني، لا يتقاضى المتعاقد على أساسه أي أجر قبل إتمام مدته (سنة) وساعات العمل. من بعدها يدخل العقد في دائرة شديدة التعقيد من الإجراءات الإدارية، يمرّ عبرها في هيئة التشريع والقضايا لإعطائه صفة قانونية، وتوكل الجامعة محامياً عن المتعاقد لمتابعة تخليص العقد على حساب المتعاقد، ويحتاج ما يقرب من الستة أشهر لإنهائه. وبعد تحويله للدفع، يُحسم من قيمته 5% بدل محام و4% ضرائب مختلفة.