بغداد | ظهر تضاربٌ كبير بين ما ينقله مقربون من رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وبين ما يشيعه مقربون من قادة الأحزاب والقوى السياسية، مع انتهاء اللقاء الأوّل قبل أيّام من سلسلة لقاءات «الحوار الاستراتيجي» بين العراق والولايات المتحدة. المصادر الحكوميّة تعرب عن ارتياحها لمجريات اللقاء، في وقت تشكّك فيه الأحزاب والقوى في ما يُنقل عن الكاظمي، واصفة ما جرى بـ«الكارثة الدبلوماسيّة بحق العراق والعراقيين» مع إمعان الجانب الأميركي في «انتهاك السيادة الوطنيّة، واستثماره ضعف أداء الفريق العراقي» (راجع «الأخبار»، العدد 4072). جراء ذلك، يقول مقربون من الكاظمي لـ«الأخبار»، إنهم «يأسفون من استمرار القوى في المزايدة على رئيس الوزراء، لأنها سرّاً تسعى إلى التواصل معه وتؤكّد دعمها له وترحيبها بالجهد لضبط الاشتباك على الأراضي العراقيّة بين واشنطن وطهران». يضيف هؤلاء إن الرجل «أطلع قيادات الصفّ الأوّل قبل الحوار وبعده على أبرز نقاط البحث وآليّة التفاوض مع الجانب الأميركي»، مؤكدين أنه «كان صريحاً جدّاً مع الطبقة السياسية والشارع على حدّ سواء»، إذ عبّر عن ذلك في مؤتمره الصحافي الأخير بقوله إن «الحوار سيعتمد أوّلاً على السيادة العراقية ومصلحة العراق، ورأي المرجعية (آية الله علي السيستاني) والبرلمان... دون التفريط بالسيادة». المصادر نفسها أكّدت أيضاً أن «قادة الصفّ الأوّل» أعربوا عن ارتياحهم لما يجري، وكذلك القيادة الإيرانيّة التي اطّلعت على مضمون اللقاء الأوّل، وأعربت في الوقت عينه عن ارتياحها، لكنها رهنت موقفها بـ«الصيغة النهائية للتفاهم بين بغداد وواشنطن».
تشير معلومات إلى نية الأميركيين سحب 2500 جندي في «بادرة حسن نية»

في المقابل، هناك القوى التي عبّرت عن سخطها، إذ إنها طبقاً لمصادر سياسيّة متابعة ستكون «متضرّرة»، وخاصة أن هذه نتائج الحوار، إن جاءت إيجابية، فستصبّ في مصلحة الكاظمي وحكومته، وستعدّ إنجازاً لهما. هذه القوى وصفت اللقاء الأوّل بـ«الفاشل» لسببين: الأوّل شكل الفريق التفاوضي، والثاني مضمون المفاوضات الذي خلا من أي نتيجة تعكس مسار الحوار مستقبلاً. لكن مقربين من الكاظمي يردّون بأن الأخير عمد إلى أن يكون الفريق العراقي، في المرحلة الأولى، بمستوى الفريق الأميركي نفسه، والبيان المشترك عن بغداد وواشنطن أشار إلى ذلك: الوكيل الأقدم للخارجية العراقية عبد الكريم هاشم مصطفى ممثلاً وفد بلاده، يقابله وكيل الخارجية الأميركية الخاص بالعلاقات السياسية ديفيد هيل. أما المرحلة الثانية، فستكون على مستوى الوزراء، ويخوّل هؤلاء الوصول إلى تفاهم متكامل، فيذهب به الكاظمي لاحقاً إلى البرلمان والنجف، لأخذ الضوء الأخضر قبيل التوجّه إلى الولايات المتحدّة لتوقيع الاتفاق النهائي. وهذا لم يحسم حتى الآن: هل سيكون قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركيّة، في تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل، أم بعده.
أما في المضمون، فإن اللقاء الأوّل كان تعارفيّاً بروتوكوليّاً، وعمد الفريق العراقي إلى تدوين الملاحظات الأميركيّة والاستماع لها من دون أن يكون مخوّلاً تبيان وجهة نظره، علماً بأن مخاوف عدّة تبديها بعض الدوائر الدبلوماسيّة من المكر الأميركي، فهذا «الصمت» صبغ أداء الفريق العراقي بـ«الضعف والوهن». مع ذلك، هدف الحوار الرئيسي، وفق أكثر من مصدر، هو برمجة انسحاب قوات الاحتلال من «بلاد الرافدين». وفي هذا السياق، ترى مصادر دبلوماسيّة عراقيّة أن بغداد انتزعت من واشنطن إقراراً بـ«احترام سيادة العراق، ووحدة أراضيه، والقرارات ذات الصلة الصادرة عن السلطات التشريعية والتنفيذية العراقية»، في اعتراف أميركيّ بضرورة تطبيق القرار البرلمانيّ الصادر مطلع العام الجاري، والداعي إلى انسحاب القوات الأجنبية كافة. وبينما أكّد البيان أن الولايات المتحدة ستواصل خلال الأشهر المقبلة تقليص قواتها، وأنها لا تسعى إلى إقامة قواعد أو وجود عسكريّ دائم، تشير المعلومات إلى أن دفعة كبيرة من القوّات الأميركيّة، قوامها 2500 جندي، ستنسحب مطلع الخريف المقبل، في «بادرة حُسن نيّة». أما الانسحاب الكُلّي، أو «إعادة التموضع»، فمرهونٌ بتوقيع اتفاقيّة جديدة، مع الإشارة إلى أن الجانب الأميركي يسعى إلى إجبار الحكومة العراقيّة على دفع التكاليف الماليّة للانسحاب أو «فكفكة القواعد»، بمبلغ لا يقلّ عن ثلاثة مليارات دولار.