القاهرة | في وقت احتفلت فيه أديس أبابا بمرور 13 عاماً على بدء الأعمال الإنشائية في «سد النهضة»، يتصاعد قلق القاهرة من أن تقترب أديس أبابا من إنهاء الأعمال الإنشائية البسيطة المتبقية خلال الأسابيع المقبلة، واستكمالها جميع أعمال تعلية الخرسانة، فضلاً عن إنهاء عملية تخزين المياه خلال موسم الصيف المقبل. وعزّزت المخاوفَ المصرية الصور التي أبرزتها الأقمار الاصطناعية في الأيام الأخيرة، والتي رصدت نشاطاً كبيراً في الأعمال الإنشائية، إلى جانب تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، والتي قال فيها إن مسألة بناء السد وتخزين المياه لم تعُد محل نقاش، ضارباً عرض الحائط بالمطالب المصرية. ويأتي ذلك بعد إخفاق المفاوضات بشأن السد في التوصّل إلى تفاهمات تقود إلى إقرار اتفاق ملزم حول تشغيله، بين دولتَي المصب (مصر والسودان) من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى، بينما يبدو أن لغة التصعيد التي انتهجتها الخارجية المصرية إزاء التعنّت الإثيوبي في التفاوض لم تجدِ نفعاً. لا بل نجحت إثيوبيا في فرض سياسة الأمر الواقع؛ فهي بنت السد بشكل كامل، وقامت بتخزين المياه في خلال خمس سنوات، متجاهلةً المخاوف المصرية ليس فقط بشأن السلامة الإنشائية للسد وهيكله الخرساني، ولكن أيضاً بشأن تدفّق كميات المياه وآلية التحكم الإثيوبي فيها، والتي تمثّل للقاهرة الخطر الأكبر، ولا سيما أن كميات المياه التي كانت تصل إليها تراجعت بشكل كبير في السنوات الماضية، إذ كانت مصر تحصل، بموجب الاتفاقيات الموقّعة، على 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، لكن هذا الرقم كانت تصل كميات كبرى منه بكثير مع تدفق النيل من روافده المتعددة، وهي الكميات التي أصبحت مقنّنة بشكل أكبر مع التخزين الإثيوبي، ما يضطر القاهرة إلى استخدام جزء من مخزون المياه الموجودة في السد العالي. أيضاً، عدّلت إثيوبيا في السنوات الماضية، مواعيد تدفق المياه، لتكون خلال موسم الشتاء وليس الصيف، وهو الأمر الذي ارتبط بإتمام عملية تخزين المياه أولاً، على أن يبدأ التصريف في مجرى النهر فور نهاية موسم الصيف والبدء في فترة الجفاف، ما عكس دورة المياه المتدفقة إلى السد العالي، للمرة الأولى منذ إنشائه عام 1970.
تحاول مصر أن تلعب دوراً في عرقلة حصول إثيوبيا على الأموال لاستكمال أعمال السد الإنشائية


وفي الأثناء، تخشى القاهرة من أن يؤدي استكمال تعلية خزان السد بطول العشرة أمتار المتبقية، إلى تخزين إثيوبيا نحو 23 مليار متر مكعب من المياه، ليصل إجمالي ما جرى تخزينه في بحيرة السد إلى 65 مليار متر مكعب خلال خمس سنوات. وفيما تخطط أديس أبابا للاستفادة من السد بشكل أكبر خلال الشهور المقبلة، بإدخال توربينات جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية - وهو ما يمثل وفقاً لوجهة النظر الإثيوبية الهدف الأساسي من وراء بناء السد -، لا يزال السد بحاجة إلى مزيد من الأموال لاستكمال الأعمال الإنشائية، وهو أمر تحاول مصر أن تلعب دوراً لعرقلته في محاولة للضغط على الجانب الإثيوبي.
والواقع أن النظام الحالي في مصر، المستمر على رأس السلطة منذ ما يناهز العشر سنوات، والذي كان حمّل «ثورة 25 يناير» ونظام «الإخوان» الذي استمر عاماً واحداً فقط مسؤولية تشييد السد، لم يعُد يملك خيارات للتعامل مع الأزمة وتداعياتها، بحسب مراقبين. وفيما انقطعت قنوات التواصل الرسمية بين مصر وإثيوبيا، بشأن السد، يرى مصدر شارك في جانب من المفاوضات على مدار 5 سنوات، أن «الانقطاع سببه انعدام الجدوى من التواصل في الوقت الحالي مع استكمال الأعمال الإنشائية»، مشيراً إلى أن «التفاوض سينتقل إلى آلية وطريقة تشغيل السد ووسائل الاحتكام للحد من النزاعات»، مستدركاً بأن هذا «ما كانت ترغب فيه إثيوبيا منذ بداية المفاوضات». ويتوقع المصدر، في حديثه إلى «الأخبار»، «عدم التوصل إلى أي نقاط توافقية قريباً، وسط الرغبة الإثيوبية في إنهاء ما يصفه مسؤولو أديس أبابا بالسيطرة والاستحواذ المصرييْن على مياه النيل»، مشيراً إلى أن «مصر تعمل على إعادة صياغة علاقتها مع دول حوض النيل بشكل مكثّف عبر الاستخبارات وليس الخارجية فقط».