تُخلق الفضاءات من جديد أمام أعين المشارك، وتختلط في الجو العام، روائح البخور، واللمسات الآمنة، والطعم. إنه أشبه بزمان ومكان سوريالي مكثف بصرياً وسمعياً وحسياً. تتوالى الإحداثيات، وتُنظم العلامات والمواد، ضمن تراتبية الحواس الخمس، التي لا تنفك تهدأ أمام المشارك ليكون محطّ اهتمام العرض. تُخلق عوالم من السحر، والألوان، والمسطحات، يتحول فيها اللامرئي، إلى طبقة مرئية، انطلاقاً من الموروث في بيئة مكثفة (جنوب لبنان)، لتصل إلى بنية عميقة وذاكرة جماعية أكبر.
يخرج المشارك محملاً بالأسئلة عن الطقس الاجتماعي الذي تُعيد لارا قبيسي ومعها حنان الحاج علي وسرمد لويس وآخرون، موضعته في سياق جديد. لعلّه يكون مادة للتأمل عن علاقتنا بالموروث، ما يفتح أسئلة (تأتي في خلفية العرض) حول «العين» التي صارت مرتبطة بالنظام العام، والسلطة، و«عيون الذل». يبلور العرض مفاهيم عديدة عن علاقتنا بالجغرافيا، والسياسة، وأشكال التواصل الحديثة.
تجربة ممتعة وعضوية قد تفتح الباب على أشكال مسرحية وأدائية جديدة
«نازار» رحلة سلسة ضمن واقع افتراضي، يصيب اللامرئي، ويكون النظر بالعين ـــ التي هي أنواع مختلفة «عين الحسد، عين المراقبة، وعين الذل» ـــ مدخلاً لإعادة «موقعة» التراث في سياقنا الحديث. عبر العودة إلى الطقس وبسطه أمام المتفرج/ المشارك، والتفاعل مع المواد، يُعاد إنتاج المعنى. انطلاقاً من ذلك، يحتّم الشكل الفني الحديث والمتطور في هذا العرض، الذي تشكّل التجربة الانغماسية قوامه، السؤال عن الموروث والعادات الاجتماعية والدينية، والعودة إليها ضمن معطيات المستقبل. يعيد المشارك الربط بين واقعين وزمنين متناقضين، ليسأل عن دوافع الطقوس، والحاجة إلى تحسّسها من جديد، في خضم كل التحولات التي تشهدها البشرية. «نازار» تجربة ممتعة، وعضوية، قد تفتح الباب على أشكال مسرحية وأدائية جديدة في بيروت ضمن رؤى حداثية لما قد تكون عليه أشكال العروض الأدائية لاحقاً ومحورها التراث المادي واللامادي، والذاكرة الجماعية، والهوية.