في ظل التماثل الذي يكاد يصل الى حد التطابق في المشهد الروائي العربي، تطلّ «عطارد» (التنوير) للمصري محمد ربيع (1978) لتكرّس نفسها وكاتبها ضمن هذا المشهد بقوة. بمعزل عن التصنيفات التي قد نقيّد الرواية فيها: دستوبيّة، بعد-حداثيّة، تشاؤميّة، جحيميّة؛ ستبقى عصيّةً على التصنيف لأنّها مختلفة بكل بساطة، وإنْ حملت سمات التصنيفات المذكورة. «عطارد» مقسومة إلى ثلاث نوڤيلات مستقلة برغم محاولة الكاتب لجعلها شديد التماسك. يكاد الرابط بينها يكون واهياً، بخاصة في فصل الخزرجيّ الذي لم يُكتَب إلا كي يشدّد على فكرة أبديّة الجحيم وتمرّده على قالبَيْ الزمان والمكان. فكرة يمكن للقارئ التقاطها بسهولة عند القراءة، ولذا بدت نافلةً عن إيقاع الرواية المضبوط بصرامة. هنا فقط قلّل ربيع من ذكاء قارئه وأسهب في تفصيل فكرة شديدة الوضوح.
«عطارد» إحدى أهم الروايات العربيّة، لكنّ أهمّيتها تتضاءل جمالياً. قد ترتبك لو قورنت بجماليّات الرعب في روايات أخرى لأنها استسهلت التوصيف الكابوسي في حين كان يُفترض بها سحب جمال الإيقاع المشدود ليشمل اللغة والشخصيات والجو الجحيمي. الجحيم هنا مرعب من دون أن يكون مرسوماً بحرفيّة وجمال شديدين. أهميّة الطرح والأفكار والتعدد المدهش للشخصيات رغم ضيق المشهد لم تُسهم في رفع الجماليّات الفنيّة، كما في رواية ربيع الأولى «كوكب عنبر» التي لا تزال أجمل من «عطارد» رغم التفوّق التقني للأخيرة.
تحتمل الرواية قراءات وتحليلات كثيرة، وهنا مكمن أهميتها. لو تناولنا شخصيّة «أحمد عطارد» وحدها سنكون بحاجة إلى قراءة تحليليّة مستقلة لها. تُعيد شخصيّة عطارد زمن الشخصيات الروائية العصية على النسيان، الذي ربما لم نلمحه عربياً منذ شخصية دانيال/ يالو في رواية «يالو» لإلياس خوري. إذ نكاد لا نعثر على شخصيّات تستحق التكريس في روايات العقدين الأخيرين التي تبدو بلا ملامح. محمد ربيع كاتب - قارئ. كاتب يحترم قارئه، ويُدرك أهميّة البعد المعرفي في تطور الكتابة؛ وهذا بات نادراً في المشهد الروائي العربي.
«عطارد» ـ دار التنوير