انعكست الأزمة الاقتصادية في لبنان على مستويات اللامساواة، ولا سيما اللامساواة في الدخل بعدما انخفضت قيمة الليرة وتدهورت القدرة الشرائية للأجور. كذلك ازداد تركّز اللامساواة في الثروة، وخصوصاً مع انهيار القطاع المصرفي وتبدّد، ما كانت قيمته، نحو 180 مليار دولار بين ودائع مقوّمة بالعملة المحلية وودائع مقوّمة بالدولار. لكنْ هناك نوع آخر من اللامساواة أضاء عليه تقرير جديد لإسكوا، وهي اللامساواة المتعددة الأبعاد التي تقيس اللامساواة من ناحية القدرة على الوصول إلى مختلف الخدمات الأساسية.يشير تقرير صدر أخيراً لـ«إسكوا» بعنوان «عدم المساواة في المنطقة العربية: دوّامة من الأزمات» إلى الواقع الأليم للمجتمع اللبناني الذي يعيش منذ سنة 2019 إحدى أسوأ الأزمات في التاريخ. فقد بات الفقر متعدّد الأبعاد وصارت اللامساواة متغلغلة عميقاً من خلال تسعة أبعاد: اللامساواة الاقتصادية، اللامساواة بين الجنسين والشباب، اللامساواة في الوصول إلى الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والغذاء والتمويل والتكنولوجيا.
الولوج إلى الحماية الاجتماعية هو «أكبر مصدر لانعدام المساواة الذي واجه لبنان في عام 2015، وبقيت هذه هي الحال في عام 2021. وقد زادت حدّة عدم المساواة في الولوج إلى الحماية الاجتماعية بين عامَي 2015 و2021؛ إذ انخفضت نسبة السكان الذين تمكّنوا من الحصول على إعانة واحدة على الأقل من الحماية الاجتماعية إلى أكثر من النصف». وبحسب التقرير، فإن سبب بعض التحسن في المساعدة الاجتماعية يعود جزئياً إلى شدّة الأزمات المالية والاقتصادية والمؤسسيّة المتشابكة التي يواجهها لبنان، إلا أن قدرة الدولة تضاءلت سريعاً في مواجهة هذا الأمر، وبات الاعتماد الأكبر هو على المساعدات الخارجية. ففي عام 2021، ومع تفاقم الأزمة المالية، أنشأت الحكومة أول سجل اجتماعي في البلاد، وفي غضون شهرين «سجّل 60% من السكان اللبنانيين على منصة DAEM الإلكترونية. وبحلول أيار 2023، كانت 145000 أسرة تتلقى تحويلات نقدية شهرية منتظمة. لكن كل نظام المساعدة الاجتماعية في البلاد يُموّل بالكامل من قبل مانحين خارجيين». ويضيف التقرير: «أدّت الأزمة إلى تآكل قدرة الحكومة على تمويل أي نظام مساعدة اجتماعية بمفردها؛ وهذا يعرّض استدامة المخططات التي تموّلها الحكومة للخطر». وفي الوقت نفسه، فإنّ الحد الأدنى من التأمين الاجتماعي المتوفر يعرّض الطبقة الوسطى للخطر ويدفعها إلى الفقر، إذ يبحثون بدلاً من ذلك عن «برامج المساعدة الاجتماعية المموّلة من الجهات المانحة». وقد يكون أحد أهم هذه التباينات بين فئتين: لبنانيون يستفيدون من مساعدات تقدّمها الحكومة اللبنانية، ونازحون سوريون يتلقّون مساعدات من منظمات غير حكومية. فالأزمة أضعفت قدرة الدولة اللبنانية على المساعدة، بينما مصادر التمويل للاجئين بقيت موجودة (أي أن قوّتها الشرائية ازدادت كثيراً في فترة ما)، وهذا ما خلق شرخاً بالقدرة على الحصول على مساعدات اجتماعية.
يتحدث التقرير لاحقاً عن بُعد الولوج إلى التعليم، الذي يُعدّ ثاني أكبر مصدر لعدم المساواة في لبنان الذي سجّل تدهوراً كبيراً في هذا البُعد بين عامَي 2015 و2021. بحسب إسكوا «يتزايد استياء الناس في لبنان من جودة التعليم المقدّم في المدارس. ففي عام 2015، كان 74% من الناس في لبنان راضين عن نظام التعليم في البلاد. لكن بحلول عام 2022، كان 59% من السكان غير راضين عن نظام التعليم، ويعتقد 72% من السكان أن الأطفال لا تتاح لهم الفرصة للتعلم والنمو». أحد أهم العوامل، بحسب إسكوا، كان توقّف المدارس عن العمل خلال التظاهرات التي لحقت 17 تشرين 2019، ثم التوقّف بسبب جائحة كورونا، وهو ما «أدّى إلى زيادة عدم المساواة بين الأطفال الذين لديهم إمكانية استخدام أجهزة الكمبيوتر والإنترنت الموثوقة، وبيئة منزلية مريحة للتعلم، وأولئك الذين لم يتمكنوا من ذلك». من ناحية أخرى، كان لانخفاض قيمة العملة انعكاس على قيمة رواتب معلمي المدارس الرسمية، ما أدّى إلى إضراب المعلمين في عام 2021، حيث توقف تقديم التعليم مرة أخرى، وخاصة للأطفال من العائلات الأكثر فقراً، وهم يشكّلون أكثر التلاميذ في المدارس الرسمية. وبحسب التقرير، «أثّرت الأزمة المالية على قدرة الآباء على دفع تكاليف تعليم أبنائهم، فقد ترك الأطفال اللبنانيون المدارس بأعداد كبيرة للعثور على عمل لإعالة أسرهم». وأظهر التقرير أن معدل الالتحاق بالتعليم انخفض من 60% من الشباب في العام الدراسي 2020/2021، إلى 43% فقط في عام 2021/2022. وهذا ما يؤدي إلى «اتساع وترسيخ انتقال عدم المساواة عبر الأجيال: حيث يرتبط مستوى التحصيل التعليمي للوالدين ارتباطاً وثيقاً بالنتائج التعليمية لأطفالهم».
كان الولوج إلى الحماية الاجتماعية أكبر مصدر لعدم المساواة في لبنان سنة 2015، وبقيت هذه الحال في عام 2021


وفي ما يخصّ اللامساواة في الحصول على الغذاء والتمويل، فبحسب «إسكوا» تفاقم هذان الشكلان من عدم المساواة بشكل كبير بين عامَي 2015 و2021. فقد «دخل لبنان إلى قائمة برنامج الأغذية العالمي لبؤر الجوع في عام 2021، بسبب تأثير الأزمات الاقتصادية والمؤسسية المتداخلة، والتي تفاقمت بسبب جائحة كورونا». وبحسب أرقام إسكوا بحلول 2021، كان 37%من سكان لبنان يعيشون في حالة انعدام الأمن الغذائي، مقارنة بـ 15% في عام 2015. وبحسب التقرير، أحد أهم أسباب هذا الأمر هو الارتفاع في الأسعار، بالإضافة إلى حقيقة أن «الحكومة ألغت دعم الغذاء والوقود بسبب عدم قدرتها على الدفع بالعملات الأجنبية».
وبالنسبة إلى الحصول على التمويل، يقول التقرير إنه في عام 2015، حصل لبنان على ثاني أعلى مستوى من الشمول المالي بين الدول العربية المتوسطة الدخل. ولكنّ الأزمة وضعت الاقتصاد مع ضوابط صارمة على رأس المال تحت أمر الواقع. وهو ما أجبر الناس على «التحايل على هذه الضوابط من خلال اللجوء إلى الخدمات المصرفية غير الرسمية». نتيجة لذلك، بحلول عام 2021، أصبح مستوى الشمول المالي في لبنان ثاني أدنى مستوى بين الدول العربية المتوسطة الدخل. كذلك، تآكلت قيمة المدّخرات بالعملة المحلية بسبب التضخّم المفرط. وبسبب ضوابط رأس المال، لا يمكن الوصول إلى المدّخرات بالعملة الأجنبية. وهو أمر يسهم في صعوبة القدرة على الوصول إلى التمويل. هذا الأمر أدّى إلى زيادة اللامساواة الاقتصادية «وجعل من المستحيل على الكثير من الناس في البلاد تمويل الرعاية الصحية والتعليم في حالات الطوارئ».



40%
هي نسبة الشباب الذين قالوا في 2022 إن أسرهم خفضت الإنفاق على التعليم لدفع ثمن الغذاء أو الدواء أو غيرهما من الضروريات

11%
هي نسبة المقيمين في لبنان الذين يعانون من نقص التغذية، فيما بلغت هذه النسبة 6% في عام 2015

21%
هي نسبة اللبنانيين البالغين الذين كان لديهم حساب رسمي في مؤسسة مالية مقارنة بـ 47% عام 2015